وان رجلا من اهل العراق كان يتلصص، ويكنى أبا المعرس، قدم من الكوفه نحو ارض الشام، في جماعه من لصوص الكوفه، حتى وافوا مدينه دمشق، فكان إذا جنه الليل اشعل في ناحيه من السوق النار، فإذا تصايح الناس، واشتغلوا بإطفاء الحريق، اقبل في اصحابه الى ناحيه اخرى من السوق، فكسر الأقفال، وأخذ ما قدر عليه، ثم هرب.
فدخل كلثوم بن عياض القسرى على هشام، وكان معاديا لخالد بن عبد الله، وهو ابن عمه، فقال لهشام:
يا امير المؤمنين، ان هذا الحريق لم يكن بدمشق، وقد حدث، وما هو الا عمل محمد بن خالد بن عبد الله القسرى وغلمانه.
فامر هشام بطلب محمد بن خالد، فاتوه به، وبغلمان له، فامر بحبسه، وحبس غلمانه.
وبلغ ذلك خالدا، وهو بطرسوس، فسار حتى وافى دمشق، فنزل في داره بها، وغدا عليه الناس مسلمين، حتى إذا اجتمعوا عنده قال:
ايها الناس، خرجت غازيا باذن هشام وامره، فحبس ابنى وغلماني، ايها الناس، ما لي ولهشام؟ والله ليكفن عنى هشام يسميه في كل مره باسمه ولا يقول امير المؤمنين او لادعون الى عراقي الهوى، شامي الدار، حجازى الأصل، ابراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس، الا وانى قد أذنت لكم ان تبلغوا هشاما.
وبلغ هشاما ذلك فقال: خرف ابو الهيثم، وانا حرى باحتماله، لقديم حرمته، وعظيم حقه.
فأقام خالد بن عبد الله بمدينه دمشق عاتبا لهشام، مصارما له، لا يركب اليه، ولا يعبأ به، وهشام في كل ذلك يحتمله، ويحلم عنه.