لا ننكرون فضلهم، افي الجنه أم في النار؟. قالوا: قاتلناهم في الله، وندع قتالهم في الله. فقال: يا اصحاب الجباه السود، كنا نظن ان صلاتكم عباده وشوق الى الجنه، فنراكم قد فررتم الى الدنيا، فقبحا لكم. فسبوه، وسبهم، وضربوا وجه دابته بسياطهم، وضرب هو وجوه دوابهم بسوطه. وكان مسعر بن فدكي وابن الكواء وطبقتهم من القراء الذين صاروا بعد خوارج كانوا من أشد الناس في الإجابة الى حكم المصحف.
وان معاويه قام في اهل الشام، فقال: ايها الناس، ان الحرب قد طالت بيننا وبين هؤلاء القوم، وان كل واحد منا يظن انه على الحق وصاحبه على الباطل، وانا قد دعوناهم الى كتاب الله والحكم به، فان قبلوه، والا كنا قد أعذرنا اليهم.
ثم كتب الى على: ان أول من يحاسب على هذا القتال انا وأنت، وانا ادعوك الى حقن هذه الدماء والفة الدين واطراح الضغائن، وان يحكم بيني وبينك حكمان، أحدهما من قبلي والآخر من قبلك، ما يجدانه مكتوبا مبينا في القرآن يحكمان به، فارض بحكم القرآن ان كنت من اهله.
فكتب اليه على: دعوت الى حكم القرآن، وانى لأعلم انك ليس حكمه تحاول، وقد أجبنا القرآن الى حكمه لا إياك، ومن لم يرض بحكم القرآن فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً.
وكتب الى عمرو بن العاص:[اما بعد، فان الدنيا مشغله عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها شيئا الا انفتح له بذلك حرص يزيده فيها رغبه، ولن يستغنى صاحبها بما نال منها عما لم ينله،] ومن وراء ذلك فراق ما جمع، فلا تحبط عملك بمجاراه معاويه على باطله، وان لم تنته لم تضر بذلك الا نفسك، والسلام.
فأجابه عمرو: اما بعد، فان الذى فيه صلاحنا والفه ما بيننا الإنابة الى الحق، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا وبينك لنرضى بحكمه، ويعذرنا الناس عند المناجزة، والسلام.