فكتب الحسين اليهم جميعا كتابا واحدا، ودفعه الى هانئ بن هانئ، وسعيد ابن عبد الله، نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن على الى من بلغه كتابي هذا، من اوليائه وشيعته بالكوفه، سلام عليكم، اما بعد، فقد أتتني كتبكم، وفهمت ما ذكرتم من محبتكم لقدومى عليكم، وانى باعث إليكم بأخي وابن عمى وثقتي من اهلى مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه امركم، ويكتب الى بما يتبين له من اجتماعكم، فان كان امركم على ما أتتني به كتبكم، وأخبرتني به رسلكم اسرعت القدوم عليكم ان شاء الله، والسلام.
وقد كان مسلم بن عقيل خرج معه من المدينة الى مكة، فقال له الحسين ع: يا ابن عم، قد رايت ان تسير الى الكوفه، فتنظر ما اجتمع عليه راى أهلها، فان كانوا على ما أتتني به كتبهم، فعجل على بكتابك لاسرع القدوم عليك، وان تكن الاخرى، فعجل الانصراف.
فخرج مسلم على طريق المدينة ليلم باهله، ثم استاجر دليلين من قيس، وسار، فضلا ذات ليله، فأصبحا، وقد تاها، واشتد عليهما العطش والحر، فانقطعا، فلم يستطيعا المشى، فقالا لمسلم: عليك بهذا السمت، فالزمه لعلك ان تنجو.
فتركهما مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا الى طريق فلزموه، حتى وردوا الماء، فأقام مسلم بذلك الماء.
وكتب الى الحسين مع رسول استاجره من اهل ذلك الماء، يخبره خبره، وخبر الدليلين، وما ناله من الجهد، ويعلمه انه قد تطير من الوجه الذى توجه له، ويسأله ان يعفيه ويوجه غيره، ويخبره انه مقيم بمنزله ذلك من بطن الحربث [١] .
فسار الرسول حتى وافى مكة، واوصل الكتاب الى الحسين، فقراه وكتب في جوابه: اما بعد، فقد ظننت ان الجبن قد قصر بك عما وجهتك به، فامض لما امرتك فانى غير معفيك، والسلام.
[١] البطن: الموضع الغامض من الوادى، والبطون كثيره، والحربث نبت اسود وزهرته بيضاء، وهو من اطيب المراعى.