للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أعلم١, وإنما اطلعنا على أقوالهم في كتب المتأخرين منثورة على المسائل، أي: إن آراءهم وردت في كتب خصومهم -مع شيء من التجوز٢- للرد عليها، فإن نحن اعتمدنا على ذلك في إصدار الأحكام، لم نكن إلى العدل في شيء. والحق يقضي ألا نرسل حكما بين فريقين إلا بعد الاستماع إلى حجج كل من فيه, وهذا مع الأسف ليس ميسورا الآن.

٢- هذه الميزات والمعالم الآتية بعد، ليست جامعة مانعة؛ فليست هناك قاعدة أجمع عليها نحاة البصرة وتوارد على معارضتها نحاة الكوفة، أو قال بها الآخرون جميعا وعارضها الأولون جميعا. بل كثيرا ما نجد العالم الواحد من أهل الكوفة مثلا يذهب إلى أحكام يوافق فيها مذهب خصومه ويخالف أهل مصره.

وطالما تجد هذه الظاهرة في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف


١ بل إني سردت تراجم النحاة في "بغية الوعاة للسيوطي" فلا أذكر أنه مر بي كتاب في النحو لكوفي بعد أئمته الأولين غير ما جاء في ترجمة أبي جعفر التنوخي المتوفى سنة ٣١٨هـ من أن له مؤلفا في النحو على مذهب الكوفيين، إلا أن يكون مر شيء وغفلت عنه.
٢ وقفني قول الزجاجي وهو ممن خلط المذهبين -في كتاب الإيضاح "ص٨٠": "أكثر ما أذكر من احتجاجات الكوفيين إنما أعبر عنه بألفاظ البصريين"؛ حتى إذا مضيت في مطالعة الكتاب وجدت علة ذلك في ص"١٣١" في قوله: "إذ لو تكلفنا حكاية ألفاظ الكوفيين بأعيانها لكان في نقل ذلك مشقة علينا من غير زيادة في الفائدة، بل لعل أكثر ألفاظهم لا يفهمها من لم ينظر في كتبهم، وكثير منها قد هذبها من نحكي عنه مذهب الكوفيين مثل ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط وابن الأنباري" ا. هـ.
قلت: وهذا فارق هام بين المدرستين حين لا يتضح مراد الواحدة إلا باستعارة عبارات الأخرى.

<<  <   >  >>