مذهب قياس منظم، لكن التاريخ يؤيد وجود المذهبين: مذهب السماع ومذهب القياس، وهما حقا وجدا، ولكن في البصرة لا في الكوفة. أما القياس فليست بصريته موضع خلاف، وأما السماع الصحيح فإني أوثر أن أنقل فيه كلام الأستاذ أحمد أمين نفسه في أن هذه المدرسة مدرسة بصرية، قال:
"كانت هاتان النزعتان في البصرة في أيامها الأولى، فهم يقولون: إن ابن أبي إسحاق الحضرمي وتلميذه عيسى بن عمر كانا أشد ميلا للقياس, وكانا لا يأبهان بالشواذ ولا يتحرجان من تخطئة العرب؛ وكان أبو عمرو بن العلاء وتلميذه يونس بن حبيب البصريان أيضا على عكسهما: يعظمان قول العرب ويتحرجان من تخطئتهم، فغلبت النزعة الأولى على من أتى بعد من البصريين، وغلبت النزعة الثانية على من أتى بعد من الكوفيين, ولا سيما الكسائي الكوفي".
وهذا حق مع استدراك واحد، هو أن أبا عمرو ويونس يعظمان قول العرب بعد التحري والتثبت من أنه كلام العرب المحتج بهم، أما الكوفيون فلا يتحرون، ولو قال الأستاذ:"فغلبت النزعة الثانية مشوهة ... إلخ" لطبق المفصل، وجميل ما حكم به بعد ذلك بين المذهبين:
"ونرى في هاتين النزعتين أن البصريين كانوا أكثر حرية وأقوى عقلا، وأن طريقتهم أكثر تنظيما وأقوى سلطانا على اللغة، وأن الكوفيين أقل حرية وأشد احتراما لما ورد عن العرب, ولو موضوعا "كذا"، فالبصريون يريدون أن ينشئوا لغة