"وأقول": وهذا الحديث مما تلقاه العلماء بالقبول. قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه ١/ ١٨٩ و١٩٠: على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" وقوله في البحر: "هو الطهور ماؤه, الحل ميتته" وقوله: "إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة, تحالفا وترادّا البيع" وقوله: "الدية على العاقلة". وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد, لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها, فكذلك حديث معاذ, لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له. ا. هـ. وقال الحافظ أبو بكر بن العربي، في عارضة الأحوذي ٦/ ٧٢, ٧٣: "اختلف الناس في هذا الحديث، فمنهم من قال: إنه لا يصح، ومنهم من قال: هو صحيح، والدين القول بصحته، فإنه حديث مشهور يرويه شعبة بن الحجاج, ورواه عنه جماعة من [الرفعاء] والأئمة، منهم يحيى بن سعيد، وعبد الله بن المبارك، وأبو داود الطيالسي. والحارث بن عمرو الهذلي الذي يرويه عنه, وإن لم يكن يعرف إلا بهذا الحديث، فكفى يرويه شعبة عنه، وبكونه ابن أخ للمغيرة بن شعبة في التعديل له والتعريف به. وغاية حظه في مرتبته أن يكون من الأفراد ولا يقدح ذلك فيه، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهول. ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة. وإنما يدخل في المجهولات, إذا كان واحدا فيقول: حدثني رجل, حدثني إنسان, ولا يكون الرجل للرجل صاحبا حتى يكون له به اختصاص، فكيف وقد زيد تعريفا بهم أنهم أضيفوا إلى بلد. وقد خرج البخاري الذي اشترط الصحة في حديث عروة البارقي "سمعت الحي يتحدثون عن عروة" ولم يكن ذلك الحديث في جملة المجهولات. وقال مالك في القسامة: أخبرني رجل من كبراء قومه. وفي الصحيح عن الزهري, حدثني رجال عن أبي هريرة: "من صلى على جنازة فله قيراط". ١ هو: سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص، الأموي، الكوفي، البغدادي، أبو عثمان، ثقة، من العاشرة. مات سنة تسع وأربعين ومائتين. التقريب ١/ ٣٠٨, التهذيب ٤/ ٩٧. ٢ هو: يحيى بن سعيد بن أبان بن العاص بن أمية الأموي الكوفي، أبو أيوب. سكن بغداد، وكان يلقب جملا. وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات والذهبي في الميزان, وقال: ذكرته؛ لأن العقيلي ذكره في الضعفاء. انظر: تاريخ ابن معين ٣/ ٢٧١, وتذكرة الحفاظ ٢/ ٣٢٥, والتقريب ٢/ ٣٤٨, والتهذيب ١١/ ٢١٣, والميزان ٤/ ٣٨٠.