مما لا شك فيه، أن هذا الفن من الفنون المهمة جدا، وتزداد أهميته يوما بعد آخر، وفي زماننا اليوم هو أكثر أهمية؛ وذلك لقصر باع المتعلمين، وخاصة في ميدان الحديث وعلومه، وذلك لتعدد مشاغل الإنسان، وانصراف الناس عن العلوم الشرعية إلى الدنيا وزينتها.
ومما يزيد من أهميته أيضا، كثرة المتكلمين، وتلويحهم بكلام ما أنزل الله به من سلطان، مسطرا في بعض الكتب، سيق فيها الغث والسمين، وضعها مؤلفوها اعتمادا منهم على ذكر أسانيدها. والقارئ كان إذ ذاك فطنا عارفا مميزا لا يخفى عليه حالها، ولو استشكل عليه شيء منها ما كان عنده من الصعوبة ما يحول بين معرفة ذلك لوفرة العلماء العارفين المحققين. فأخذ أعداء الله يشككون، ويتقولون على الإسلام بما ليس فيه، وهو مما يقولون براء، وهم به يموهون على البسطاء، ويستحوذون به على هوى الخبثاء ... فلما كانت الحالة هذه كان من الضروري، والضروري جدا، تبيين حال هذه الأحاديث، وسبر طرقها، وبيان ما صح وما لم يصح، وتوضيح ما خفي معناه وما استشكل مراده ... على أن هناك كتبا أخرى، تلقاها العلماء، وطلاب العلم بالقبول، فأقبلوا عليها دراسة، وفهما، واستظهارا، وفيها أحاديث كثيرة لم تبين صحتها من سقمها، ومن هذه الكتب: كتاب مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه. على أن هذه المهمة لم يغفلها أئمتنا الأعلام، وسلفنا الصالح؛ فقاموا بالمهمة خير قيام، فوضعوا فيها المؤلفات القيمة النافعة، التي لا يستغني عنها طالب علم، ومن هذه الكتب كتابنا "تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" للإمام العلامة، الحافظ، الناقد, أبي الفداء عماد الدين بن كثير القرشي, عليه رحمة الله تعالى.
ولكن مما يحز في القلب: أن أغلب هذه الكتب لا تزال على رفوف المكتبات العتيقة، تنتظر أولي الهمم، ومن ينفض عنها غبار القرون الطوال، وإن ما طبع منها يعد قليلا جدا؛ لذا فإنه من الواجب على كل غيور على الإسلام، أن ينتبه لهذه المهمة، فيقوم بدوره في شأنها، وعلى المؤسسات