أجمع العلماء على أن البكاء المحرم في الحديث هو البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين, واختلفوا في تعذيب الميت ببكاء أهله: فقال الجمهور: إن من وصى بأن يُبكَى عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهو يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم؛ لأنه بسببه ومنسوب. فأما من بُكي عليه من غير وصية منه, فلا يعذب لقول تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] . وقالوا: وكانت عادة العرب الوصية بذلك, ومنه قول طرفة بن العبد: إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يابنة معبد وقال آخرون: إن من عرف أن لأهله عادة بفعل أمر منكر وأهمل نهيهم، فيكون لم يق نفسه، ولا أهله، فيسأل عن ذلك ويؤاخذ عليه, والله أعلم. انظر تفصيل المسألة في فتح الباري ٣/ ١٥٢-١٦٣, وشرح النووي على مسلم ٦/ ٢٢٨-٢٣٢. ١ يقصد بالحوامل هنا: الدواعي، وقد أثار ابن الحاجب إشكالا للخصوم ليرد عليه ... قال السعد التفتازاني شارحا كلام ابن الحاجب: وقالوا: والحوامل المقدرة على كتمان الأخبار كثيرة لا يمكن ضبطها, فكيف الجزم بعدمها؟ ومع جوازها لا يحصل الجزم. ويدل عليه أمور، منها: أن النصارى لم ينقلوا كلام المسيح في المهد, مع أنه مما تتوفر الدواعي على نقله. ومنها: أن معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانشقاق القمر وتسبيح الحصا في يده وحنين الجذع وتسليم الغزالة عليه لم يتواتر, بل نقل آحاد ... إلخ. ثم أجاب عن هذا الإشكال بما خلاصته: أن كلام عيسى -عليه السلام- في المهد إن كان بحضرة خلق كثير نقل قطعا، فإن ثبت أنه لم ينقل فلقلة المشاهدين. وأما المعجزات فكذلك, أي: لو كثر مشاهدوها لتواترت، مع أنا لا نسلم أنها مما تتوفر الدواعي على نقله، فإنها إنما تنقل لتستمر بين الناس، وقد استغنى عنها وعن استمرارها بالقرآن الباقي على وجه كل زمان، الدائر على كل لسان، في كل مكان. ا. هـ. انظر حاشية السعد التفتازاني على شرح القاضي لمختصر ابن الحاجب ٢/ ٥٧, ٥٨. ٢ المسيح: هي صفة لسيدنا عيسى -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وقد اختلف العلماء في سبب تسميته مسيحا على أقوال كثيرة، فقيل: لأنه لم يمسح ذا عاهة إلا برئ بإذن الله، وقيل: لأنه مسح بالبركة حين ولد, وقيل غير ذلك. انظر شرح النووي لصحيح مسلم ٢/ ٢٣٤.