فَهْمًا صحيحًا الأصول السياسية والاجتماعية التي عُرفت في الغرب، وكانوا يرون من الواجب أن تدخل مصر؛ ولكن مع التطور والتدرج، والانتفاع منها بالصالح، مما يلائم طبائع المصريين.
وتولى لطفى بحكم تحريره لصحيفة الحزب "الجريدة" هذه المهمة التربوية، وكانت مهمة صعبة؛ إذ عليه أن يربي شعبًا، ويغرس فيه أطماعه الوطنية وحقوقه وواجباته السياسة. ومن هنا أخذ لقب "المعلم"، والحق أنه علم الشعب كثيرًا مما أصبح بعد تصريح ٢٨ من فبراير سنة ١٩٢٢ قائمًا قيام الأهرامات الراسخة في حياتنا السياسية من مثل سلطة الأمة والحرية الدستورية وتعليم الفتاة وغير ذلك من معانٍ وطنية.
فقد عكف على قراءة ما كتبه المصلحون الغربيون في شئون التربية القومية وفي الحقوق السياسية، ونقل ذلك إلى المصريين في مقالاته بالجريدة، فتارة يردد ذكر المبادئ التي قامت عليها الثورة الفرنسية، وتارة يردد آراء المفكرين والفلاسفة الغربيين الذين قرروا تلك المبادئ من مثل روسو وستيوارت مل وتولستوي ومونتسكيو وفولتير؛ وبذلك وُجدت عندنا المقالة السياسية بالمعنى الدقيق، فهي ليست كلامًا ارتجاليًّا يقال؛ وإنما هي دراسة وخبرة بالفكر الغربي ونقل ما يلائمنا منه. ونكتفي بذكر مقتطفات من بعض مقالاته، يقول في مقالة بعنوان "غرض الأمة هو الاستقلال":
"استقلال الأمة في الحياة الاجتماعية كالخبز في الحياة الفردية لا غنى عنه؛ لأنه لا وجود إلا به، وكل وجود غير الاستقلال مرض يجب التداوي منه، وضعف يجب إزالته؛ بل عارٌ يجب نفيه ... استقلال الأمة عمن عداها أو حريتها السياسية حق لها بالفطرة، لا ينبغي لها أن تتسامح فيه، أو أن تَنِيَ في العمل للحصول عليه؛ بل ليس لها حق التنازل عنه لغيرها -لا بكله ولا بجزئه- لأن الحرية لا تقبل القسمة ولا تقبل التنازل، فكل تنازل من الأمة عن حريتها كلها أو بعضها باطل بطلانًا أصليًّا لا تلحقه الصحة بأي حال من الأحوال. فلا جرم مع هذا المبدأ المسلَّم به عند علماء السياسة، إن قلت: إنه يجب على الأمة