أن توجه كل قواها بغير استثناء إلى الحصول على وجودها أي الحصول على الاستقلال ...
أما نية الاستقلال فهي فهمه والتشبث بمزاياه، وتمثل هذا الفهم في شعور الأمة تمثلًا صحيحًا شائعًا؛ أي: اعتقاد الأمة بضرورته وأنه هو العيش، وهو الكساء، وهو المبيت، وهو الوجود وبغيره لا وجود. ولا بد لذلك من أن يربَّى في الأمة معنى القومية المصرية.
إن أول معنى للقومية المصرية هو تحديد الوطنية المصرية، والاحتفاظ بها والغيرة عليها غيرة التركي على وطنه والإنجليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع وسط ما يسمى خطأ بالجامعة الإسلامية ...
يعجبني في هذا المعنى أن أورد عبارة أحد الكتاب الإنجليز، قال: مهما كان اللوم على الأمة المتغلبة على غيرها، فإنه لا يصح أن تنجو الأمة المغلوبة من اللوم؛ فإنه من السهل أن يدوس الإنسان بقدمه حشرة، لكن إذا كانت هذه الحشرة من العقارب يصعب دَوْسُها بالقدم. وعندنا أن الأمة كائن طبيعي يستحيل مهما كانت ضعيفة أن تكون مجردة من آلات الدفاع عن نفسها؛ لأن الله قد سلح جميع كائناته بسلاح الدفاع عن ذواتها، والأمة بصفتها إحدى هاته الكائنات الطبيعية لا يمكن أن تكون فاقدة السلاح، فلئن تركته أو أساءت استعماله فاللوم عليها بمقدار تقصيرها. ولقد كُتب على مصر أن ترتقي بالسلام وتستقل بالسلام، فما أسلحة السلام إلا ذكاء في العقل والقلب يهدينا إلى معرفة مصريتنا، وقَصْر عملنا على مصرنا وإنماء كفاءتنا قبل كل شيء".
ويقول في مقال بعنوان "الحرية":
"لو كنا نعيش بالخبز والماء لكانت عيشتنا راضية وفوق الراضية؛ ولكن غذاءنا الحقيقي الذي به نحيا ومن أجله نحب الحياة ليس هو إشباع البطون الجائعة؛ بل هو غذاء طبيعي أيضًا كالخبز والماء؛ لكنه كان دائمًا أرفع درجة وأصبح اليوم أعز مطلبًا وأغلى ثمنًا. هو إرضاء العقول والقلوب، وعقولنا وقلوبنا لا ترضى إلا بالحرية. إنا إذا طلبنا الحرية لا نطلب بها شيئًا كثيرًا؛ إنما نطلب الغذاء الضروري لحياتنا، نطلب ألا نموت. ولا يوجد مخلوق أقنع من الذي