وواضح أن هذا غزل من نوع جديد يخالف ما كنا نألفه عند كثير من شعرائنا الماضين، أولئك الذين كانوا يتعبون أنفسهم في رصف أصداف التشبيهات حين يتغزلون بالمرأة على نحو ما نرى عند قائلهم:
فأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت ... وردًا وعضت على العُنَّاب بالبَرَد
وقلما يصورون حركة نفس؛ إنما يحشدون الشتبيهات والاستعارات حشدًا، ويتبارون في ذلك، حتى طلع الشعراء المصريون من أمثال البهاء زهير، فإذا هم يفكون الغزل من هذه الأصداف أو من هذه القيود، ويرجعون به إلى نمط طبيعي، يعبرون فيه عن روحهم المصرية البسيطة؛ بل يعبرون عن أنفسهم وعن وجداناتهم وعواطفهم.
ومن الحق أن إسماعيل صبري خطا بهذا الشعر الوجداني خطوات بتأثير البهاء زهير من جهة وتأثير ثقافته الفرنسية من جهة ثانية، وما نوعت في تفكيره ومعانيه، واقرأ له هذين البيتين:
ولما التقينا قرَّب الشوق جهده ... شَجِيَّيْنِ فاضا لوعة وعتابا
كأن صديقًا في خلال صديقه ... تسرب أثناء العناق وغابا
فإنك ترى فيهما دقة الخيال والتصوير، كما ترى صورة النفس والعاطفة مع الرقة والحس الدقيق. ومهما قرأت في غزله فلن تجد عنده ما يخدش الذوق أو ينبو عنه، ومن المؤكد أنه كان لوسطه أثر في ذلك، ونقصد ندوات السيدات اللائي كان يختلط بهن، فإن معاشرته لهن أصابت غزله برقة شديدة، وجعلته يرتفع فيه إلى ضرب وجداني سام، ليس فيه حس ووصف للمتاع إلا ما يأتي عفوًا. وغزله لذلك يمتاز عن غزل معاصريه وسابقيه، وحقًّا أنه -كما قلنا- امتداد لغزل البهاء زهير؛ ولكنه امتداد فيه تنويع واسع للمعاني بفضل ما قرأ في الآداب الغربية، وفيه رقة حس وارتفاع بالذوق بفضل اختلاطه بالمرأة المصرية الحديثة.