للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- شعره:

إذا أخذنا نبحث في شخصية حافظ الأدبية وجدنا عناصر مختلفة تشترك في تكوينها، وأول هذه العناصر الدم المصري الذي ورثه عن أبيه، حقًّا كانت أمه تركية، ولكن تركيتها لم تخلف أثرًا واضحًا فيه، فقد غلبتها مصريته، بل لقد استبدت به، وأصبحت كل شيء يجري في روحه ومزاجه، حتى غدا مثالًا حيًّا للمصري في عصره، مثالًا لروحه القومية ومزاجه الفكه الباسم، وما تزال الصحف والمجالس تتناقل نوادره وفكاهاته إلى اليوم.

وأضاف إلى هذا العنصر الوراثي عنصرًا عربيًّا من قراءاته للأدب القديم، وتطاول طموحه منذ أخذ في نظم الشعر إلى مقام البارودي، وربما كان دخوله في المدرسة الحربية ناشئًا عن رغبة ملحة في نفسه لأن تصبح سيرته مثل سيرة البارودي من جميع الوجوه، وكذلك اشتراكه في ثورة الجيش على كتشنر في السودان هو الآخر يطوي رغبته في احتذائه وتقليده.

فالبارودي كان مثله الأعلى، وأخذ يطابق مطابقة تامة بين هذا المثل وشعره، واستطاع أن يظفر من ذلك بما كان يطمح إليه، فقد أحيا في شعره صيغه الجزلة الرصينة، وإن كان قد حاول تبسيطها، إلا أن قوالبه تمتاز دائمًا بما تمتاز به قوالب البارودي من الرصانة والجزالة والبعث لأساليب العربية الأصيلة.

ومن الحق أن البارودي كان أوسع ثقافة منه، حتى في صلته بالشعر العباسي وما قبله وبعده من شعر عربي، وقد استطاع أن يؤلف فيه مختاراته التي تقع في أربعة مجلدات، وهو من هذه الناحية مثل: البحتري وأبي تمام، اللذين ألفا لأنفسهما بجانب ديوانهما مختارات من الشعر القديم باسم الحماسة. ولم يستطع حافظ أن يصنع صنيع الشاعرين العباسيين ولا صنيع أستاذه الحديث؛ لأنه

<<  <   >  >>