لم يكن منظَّم الثقافة؛ إذ كان يقرأ بدون نظام في العقد الفريد والأغاني ودواوين العباسيين. وكان له ذوق جيد وذاكرة لاقطة تعرف كيف تختزن ما تقرأ.
وهو يختلف عن البارودي أيضًا في أن ثقافته بالآداب الأجنبية كانت ضيقة محدودة، فقد مر بنا أن البارودي ثَقِفَ آداب اللغتين الفارسية والتركية، وحاول أن يتعلم الإنجليزية في منفاه وسافر إلى أوربا قبل ذلك، ورأى الحضارة الغربية المادية، وهيأت له أرستقراطيته أن يتأثر بها في معيشته. وكل ذلك يجعل البارودي واسع الثقافة، أما حافظ فقد تعلم تعليمًا متوسطًا كما يتعلم أنداده من أفراد الطبقة الوسطى، وعرف أطرافًا من الفرنسية، ولكنها كانت معرفة قاصرة لم تتح له التعمق في آداب هذه اللغة.
فحافظ كان ضيق الثقافة بالقياس إلى البارودي، وكان أشد ضيقًا بالقياس إلى معاصريه من أمثال: شوقي ومطران، اللذين كانا يتقنان الفرنسية وآدابها، مما أفادت منه طبيعتهما الأدبية إفادة واسعة. أما هو فكان محدود الثقافة، واضطرته إلى ذلك ظروف مادية قاسية، فهو لم ينشأ في طبقة أرستقراطية مثل: البارودي وشوقي، وشتان السفر إلى أوربا والسفر إلى السودان، ومع ذلك لا بد أن نجلَّ عصاميته؛ إذ كان شاعرًا بطبعه لا بثقافته، واستطاع أن يثبت للمنافسة مع شوقي ومطران وغيرهما ممن رفدوا طبيعتهم بجداول الفكر الغربي وينابيعه العقلية.
وهنا لا بد أن نلاحظ العنصر الثالث المهم في تكوين شخصيته الأدبية، وهو عنصر بيئته المصرية الاجتماعية، وكان عنصرًا مركبًا، فهو من جهة نشأ في طبقة وسطى ودعته ظروف الحياة إلى أن يحس آلام الشعب وما ينطوي فيها من بؤس وفقر وشقاء، وهو من جهة ثانية أخذ يختلط بالطبقة الممتازة من المصريين التي لم تكسب امتيازها عن الوراثة، وإنما كسبته بجهودها، وكانت هذه الطبقة التي نشأت في البيئة الشعبية وتهيأ لها أن تسمو بحياتها وأن تصبح من الطبقة الأرستقراطية تشعر بكل ما يشعر به الشعب من حزن وألم، وتتمنى لو استطاعت أن تغير حياته في السياسة والاجتماع والثقافة.