للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشعره ينقسم قسمين واضحين: قسم قبل منفاه وقسم بعده، وهو في القسم الأول يعيش في القصر ويسوق شعره في قيود هذه المعيشة، فهو شاعر الخديو عباس الثاني، وشعره يكاد يكون مقصورًا على ما يتصل به من قريب أو بعيد، فهو يمدحه في جميع المناسبات، وهو يشيد له بالترك والخلافة العثمانية. وهو في ذلك يسير سيرة الشعراء القدماء، وإن كان يتأثر بالثقافة الأوربية. وقد حدث في هذه الحقبة من حياته تطور في فنه، كالذي كان يحدث عند شعراء العصر العباسي، فهو يُعْنَى أحيانًا بالأوزان القصيرة بوصف الرقص والخمر، على نحو ما نرى في قصيدته:

حف كأسها الحبب ... فهي فضة ذهب

وحدث تطور آخر أعمق من هذا التطور؛ إذ تأثر -كما مر بنا- شعراء الغرب في شعرهم التاريخي وما كانوا يقولونه في أطلال اليونان والرومان، فنظم قصيدته "كبار الحوادث في وادي النيل" وهي أم قصائده الأولى، ونظم قصيدته المشهورة في النيل:

من أي عهد في القرى تتدفَّق ... وبأي كف في المدائن تُغْدق

وشوقي في كل ذلك لم يكن يُعْنَى بالجمهور عناية دقيقة، فهو شاعر القصر، وهو بعيد عن الجمهور بحكم أسرته الأرستقراطية وبحكم وظيفته الرسمية. ومع ذلك لا بد أن نحدد من هذا القول، وألا نطلقه إطلاقًا، فإن شوقي طبَع ديوانه للجمهور طبعته الأولى في سنة ١٨٩٨، وكان ينشر شعره في الصحف، ونفس أميره كان يفكر في الجمهور. ومن هنا حدث تطور حتى في مدائحه؛ إذ كان يراعي فيها مناسبة تهم الجمهور، كأن يفتتح عباس مدرسة أو يأخذ بنظام الشورى في حكمه أو يغاضب الإنجليز في سياسته. وكان يمد آفاق شعره إلى حدود أبعد من ذلك خارج وطنه؛ إذ كان يعتصر في بعض مدائحه اللحن الإسلامي الذي يهم المسلمين في جميع الأقطار على نحو ما نرى في قصيدته التي مدح بها عباسًا حين حج إلى بيت الله. ولعل ذلك ما جعله يصوغ قصائده

<<  <   >  >>