بنيت فكرة الانتقال من الثنائية التاريخية إلى الثنائية المعجمية١, وتابعت الشيخ المغربي على رأيه في تنزيل المعرّب منزلة العربي, وأيدت عبد الله أمين في اشتقاق العرب الفصحاء من الجواهر قبل المصادر, ومضيت مع الدكتور مصطفى جواج أقيّد النحت بالضرورة القصوى, وأخذت عن الأمير مصطفى الشهابي شروط النقل والتعريب لمصطلحات العلوم والفنون.
ومع أن هذه الآراء ليس وقفًا على أولئك العلماء المحققين، إذ يجدها الباحث في مظانها الكثيرة، قديمة وحديثة، آثرنا أن ننسبها إلى مستنبطيها قبلنا؛ لأن الأمانة العلمية تفرض علينا إبراز ما لهؤلاء من فضلٍ طوقوا به جيد العرب والعربية!
وبين هذه الغمرة من النظرات العلمية الجديدة المبتكرة؛ جلنا على استحياء جولات متواضعة قطعنا مراحلها الأولى على هدى أولئك العلماء، ثم وجدنا أنفسنا بغتةً تلقاء الينبوع الصافي: ينبوع هذه اللغة, فغرفنا منه غرفًا، وعببنا منه عبًّا، وذقنا من حلاوة العربية ما يظن الصوفي أنه ذاقه بعد رياضة روحية شاقة مضنية.
وما لنا ألَّا تقودنا خطانا إلى ينبوع العربية الصافي وقد سلكنا إليه صراطه المستقيم؟
أليس الطريق الموصل إلى العربية مرسوم الخطوط، محدد المعالم، في
١ من المعلوم أن أكثر القائلين بثنائية اللفظ العربي قد أخذوا بها في مفهومها التاريخي محاكاة لطائفة من اللغويين الغربيين, لكن الأستاذ الأفغاني أيَّد هذه الثنائية بنصوص معجمية، وأشار إلى ذلك في "أصول النحو". كما أنه فطن إلى مذهب ابن فارس في الاحتجاج للثنائية منذ عثر على مخطوطة "مقاييس اللغة" قبل أن يشرها الأستاذ المحقق عبد السلام هارون بزمنٍ غير قليل.