خلال السنوات المتعاقبات التي نهضت فيها بتدريس فقه اللغة، كثيرًا ما كان الطلاب في بغداد ثم في دمشق يسألونني سؤالًا متشابهًا, أمسى على تعاقب الأيام تقليديًّا: هل لنا من كتاب جامع في فقه اللغة نتخذه عُدَّةً لنا في الدراسة, وإمامًا هاديًا إلى ينابيع العربية الصافية؟
وكانت الحيرة تدركني كلما ألقي عليّ هذا السؤال، فأنا لا أعرف كتابًا جامعًا في هذا العلم، لا قديمًا ولا حديثًا، وإن في كل كتاب أنصح به لعيبًا أو عيوبًا، وإن كانت مواطن الضعف تتفاوت بين كتاب وكتاب، وبين باحث وآخر، وبين جيل وجيل؛ في الكتب القديمة نقل أمين، واستقصاء دقيق، وعلم غزير، تفرض بها القواعد فرضًا، ولا توصف بها الحقائق وصفًا، وفي الكتب العصرية تجديد في مناهج البحث يغضّ من قيمته وَلوعُ الباحثين العرب بتقليد الأعاجم و"المستعجمين" في دراسة اللغات الإنسانية.