للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جـ- في الأضداد:

أما اتساع التعبير في العربية عن طريق التضاد فليس في وسعنا أن نبالغ فيه ونكبر من أمره؛ لأننا -بعد مراجعة رصيدنا اللغوي من الأضداد- سنجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام مقدار ضيئل من الكلمات، وسرعان ما نلاحظ أن هذا المقدار الضئيل نفسه يأخذ في التضاؤل شيئًا فشيئًا حتى ليكاد ينعدم.

وقد ألف في الأضداد جماعة من أئمة اللغة أشهرهم أبو بكر بن الأنباري١ الذي اختار في كتابه ما يزيد على أربعمائة من الكلمات توهم فيها التضاد، وجعل منهجه "ذكر الحروف التي توقعها العرب على المعاني المتضادة، فيكون الحرف منها مؤديًا عن معنيين مختلفين، ويظن أهل البدع والزيغ والإزراء بالعرب أن ذلك منهم لنقصان حكمتهم وقلة بلاغتهم وكثرة الالتباس في محاوراتهم"٢.

وأربعمائة من الأضداد ليست بالمقدار العظيم، ولا سيما إذا اتضح لنا أن أكثرها يرد بيسر وسهولة إلى ضرب من المشترك اللفظي تنتقل به تلك الكلمات من معنى التضاد إلى معنى الاشتراك، وقد لاحظ السيوطي ذلك حين افتتح في المزهر باب "معرفة الأضداد" بقوله: "هو نوع من المشترك"٣، وأيد ما رآه من اندراج التضاد تحت الاشتراك بقول


١ هو النحوي المشهور محمد بن القاسم، المعروف بأبي بكر بن الأنباري، من أعلم أهل زمانة بالعربية. لعل أهم كتبه في اللغة "الزاهر" ولا يزال مخطوطًا. توفي سنة ٣٢٨.
٢ الأضداد "لابن الأنباري" ص٢. وقارن بالمزهر ١/ ٣٨٧.
٣ المزهر، النوع السادس والعشرون ١/ ٣٨٧.

<<  <   >  >>