بعد أن عرضنا للفروق بين لهجتي تميم وقريش -وهما اللهجتان الرئيستان بين لهجات العربية- أصبح يسيرًا علينا أن نتصور نوع الخصائص التي تمتاز بها لغتنا الأدبية المثالية عن أخواتها من اللغات السامية بوجه خاص، وعن كثير من اللغات الأجنبية بوجه عام؛ فإن هذه الخصائص لا تميز لغة قريش لذاتها، بل لتمثلها خير ما في اللهجات العربية الصحيحة بالتوليد والاشتقاق, وخير ما في اللغات الأجنبية بالنقل والتعريف.
ذلك بأن العرب حين استصفوا لهجة قريش وجعلوها لغتهم الأدبية المشتركة أثَّروا فيها مثلما تأثروا بها؛ فصدَقَ على لهجة قريش ما يصدق على كل اللغات من قوانين التأثر والتأثير، وهي قوانين لا تكاد تتخلف إذا درسنا اللغة على أنها ظاهرة إنسانية١.