للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في رميكم "١. فمثل هذه الأخبار الموقوفة يؤكد إمكان وقوعها منطق الأحداث نفسه؛ إذ بدأ اختلاط العرب بالأعاجم، وأنشأت اللكنة الدخلية تلابس نطقهم بالمفردات، وتحريكهم أواخر التركيب, وإظهارهم علامات الإعراب.

إلّا أن الإعراب -سواء أصحت هذه الأخبار أم لم تصح, سندًا أو متنًا، وعقلًا أو نقلًا- لم يكن بالقصة، ولا يعقل أن يكون كله نسيجًا محكمًا في عصر معين، ولا أن يقوم بحياكته كله بهذه الدقة وهذا الشمول قومٌ بأعيانهم, كأنه شيء أُنُفٌ يبتدعونه من تلقاس أنفسهم.

فهناك حد أدنى من ظاهرة الإعراب لا بد من الإقرار بوجوده، كالذي عرفنا في الشعر الجاهلي، والذي رأيناه في المواقع القرآنية المشكلة، وهي المواقع التي لا يعين معناها الأدق إلّا تحريك الأواخر بحركة الإعراب٢.

ولا مَفَرَّ من الاعتراف أيضًا بتعسف بعض النحاة في طائفة من أحكامهم، كأنهم يحاولون فرض مقاييسهم على الناس، فقد حسبوا كما حسب اللغويون في كل زمانٍ ومكانٍ أن دراستهم يجب أن تتحكم بما له من حق وقدسية لا مراء فيهما٣.

ها هو ذا عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ، وهو من النحاة الموالي, يجرؤ على تخطئة الفرزدق وتلحينه في قوله:


١ أصول النحو ٧ عن إرشاد الأريب ١/ ٦٧.
٢ انظر ما ذكرناه ص١١٩, وما بعدها حول قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .
٣ المعيارية ص٢٠.

<<  <   >  >>