تبدأ بذاك الفصل، لئلّا يخيّل إليك أننا نحيلك على مجهول لديك، وإن أرجأت قراءته كما أرجأنا بحثه فقد قدمت مثلنا لاجوهر على العرض، والروح على الهيكل, والمعنى على المبنى.
أما الذي نريد الآن بيانه فهو ما لاحظه علماؤنا من مناسبة حروف العربية لمعانيها، وما لمحوه في الحرف العربي من القيمة التعبيرية الموحية؛ إذ لم يعنهم من كلِّ حرفٍ أنه صوت، وإنما عناهم من صوت هذا الحرف أنه معبر عن غرض، وأن الكلمة العربية مركبة من هذه المادة الصوتية التي يمكن حلّ أجزائها إلى مجموعة من الأحرف الدوالّ المعبرة، كل حرف منها يستقلّ ببيان معنًى خاصٍّ ما دام يستقل بإحداث صوت معين, وكل حرف له ظل وإشعاع؛ إذ كان لكل حرفٍ صدًى وإيقاع!
وإثبات القيمة التعبيرية للصوت البسيط وهو حرف واحد في كلمة، كإثبات هذه القيمة نفسها للصوت المركب وهو ثنائي لا أكثر، أو ثنائي ألحق به حرف أو كثر، أو ثلاثي مجرد ومزيد، أو رباعي منحوت، أوخماسي أو سداسي على طريقة العرب مشتق أو مقيس.
لكل حالٍ من هذه الأحوال التي تبدو لك أول الأمر ألغازًا مقعدة, أو طلاسم محيرة، ذكر علماء العرب الأمثلة، واحتجوا بالشواهد التي لا يسهل دفعها؛ فقد مالوا إلى الاقتناع بوجود التناسب بين اللفظ ومدلوله، في حالتي البساطة والتركيب، وطَوْرَي النشأة والتوليد، وصورتي الذاتية والاكتساب.
أ- ففي حال البساطة: رأوا الحرف الواحد -وهو جزء من كلمة- يقع على صوت معين، ثم يوحي بالمعنى المناسب، سواء أكان في أول اللفظ, أم وسطه, أم آخره.