للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضح أن ابن جني يعوّل في هذه الأمثلة، طبيعها ومتكلفها، على حرف الفاء، فهو الذي أفاد بقيمته التعبيرية الخاصة معنى الوهن والضعف لدى ممازجته الدال والتاء والطاء والراء واللام والنون, ولئن جاءت صورة هذه الممازجة أنماطًا من التقاليب الستة المعروفة في "الاشتقاق الكبير"، فإنه مصادفة محض, لم يقصد إليها ابن جني، وإلّا لسلك هذا المثال في باب "الاشتقاق الأكبر" الذي يعني هو به القلب اللغوي الشائع في "الاشتقاق الكبير"١، ولكننا نجده إنما سلك هذا في باب "إمساس الألفاظ أشباه المعاني", كأنه يومئ إلى أنه شاهد على وجود العلاقة الذاتية الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، أو بعبارة أدق: بين صوت الحرف البسيط وقيمته البيانية.

ب- وفي حال التركيب، لاحظ العلماء كذلك القيمة التعبيرية للحرف مع أخيه في لفظ ثنائي، على القول بثنائية اللفظ العربي، ولا سيما في نشأته الأولى.

وهذه الثنائية قد اتخذت في أذهان القائلين بها صورًا مختلفة, وأشكالًا متنوعة، فكانت الثنائية التاريخية ذات المقطع الواحد، والثنائية المعجمية التي ضعف حرفها الثاني فأصبحت ثلاثية بوساطة الشدة، والثنائية التي كرر مقطعها بكلا حرفيه فأضحت رباعية بطريق المضاعفة والتكرار.

ونحسب أنه لا يغيب عن أحد "إذا وقفنا من هذه النظرية موقف الشارح لها، الموضح لما غمض منها" أن الثلاثي المضعف، والرباعي المضاعف، إنما يرتدان حيئنذ إلى الأصل الثنائي للفظ العربي، وأن هذا الأصل الثنائي يرتدّ إلى الصوتين البسيطين اللذين ركَّبَا مقطعه؛ وأن كلًّا من هذين الصوتين ما يفتأ يوحي عند التركيب والامتزاج بما كان يوحي به في حال البساطة والإفراد.


١ سنعرض بالبيان والتفصيل لأنواع الاشتقاق، ولا سيما الكبير والأكبر.

<<  <   >  >>