للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضَرَبَ الماضي مُساوٍ حروفًا وأكثر دلالة، وكلها مشتركة في "ض ر ب" وفي هيئة تركيبها"١.

وإذ كانت الصيغة المشتقة متفقة مع الصيغة المشتق منها في المادة الأصلية وهيئة التركيب، كما رأينا في "ضَرَبَ" وتصاريفه، كان لزامًا في كلِّ كلمة بها حروف المادة الأصلية، على ترتيبها نفسه، أن تفيد المعنى العام الذي وضعت له تلك الصيغة، وإن تخللها أو لحقها أو سبقها بعض الأصوات اللينة أو الساكنة؛ فالرابطة المعنوية العامة لمادة "ع ر ف"، التي تفيد انكشاف الشي وظهوره، تتحقق في جميع الكلمات الآتية: عَرَفَ، عَرَّفَ، تَعَرَّفَ، تَعَارَفَ، عُرِفَ، عُرْف، أَعْرَاف، عَرَّاف، تَعْريف، عِرْفَان، معرفة، وهكذا دواليك.

على أننا في الوقت الذي نجد علماء اللغة يكادون يجمعون على وقوع الاشتقاق الأصغر في العربية وكثرته فيها وتوليده قسمًا كبيرًا من متنها، حتى "أفرد الاشتقاق بالتأليف جماعة من المتقدمين؛ منهم الأصمعي, وقطرب, وأبو الحسن الأخفش, وأبو نصر الباهلي, والمفضل بن سلمة, والمبرد, وابن دريد, والزجاج, وابن السراج, والرماني النحاس, وابن خالويه"٢ نلفي طائفة قليلة من الباحثين القدامى ينكرون وقوع الاشتقاق بأنواعه كافَّةً زاعمين "أن الكلم كله أصل"، ولا يقل عن هذا الزعم غُلُوًّا وإغرابًا قول طائفة من المتأخرين اللغوين "كل الكلم مشتق". أما الراي العلمي الجدير بأن ننتصر له, فهو ما ذهب إليه المؤلفون في الاشتقاق الذين ذكرنا أسماءهم آنفًا من أن "بعض الكلم مشتق، وبعضه غير مشتق".


١ المزهر ١/ ٣٤٦.
٢ المزهر ١/ ٣٥١.
٣ المزهر ١/ ٣٤٨, وقارن بمحنة الأديب ١٥٤/ ١.

<<  <   >  >>