للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ادَّعَى أن الطير ولد الحوت! إلّا أنهم عكسوا الآية، فبدلًا من أن يعترفوا بأن الفردسة بمعنى السعة متفرعة عن "الفردوس" المعربة، جعلوا الفردوس مشتقة من الفردسة، ولم يزيدوا بذلك على أن صيّروا الأصل فرعًا، والفرع أصلًا، وخلطوا بين الاستعمال الأول والاستعمال الأخير، ونسبو إلى العربية من الإعجاز في موافقة اللغات الأجنبية ما لا يجوز أن يدور مثله في خلد الإنسان١٠!

وأيًّا ما كان أمر الاشتقاق, فبه نحدد مادة الكلمة ونربطها بأخواتها وبالمجموعة التي تنسب إليها، فلا يلتبس علينا الفرع بالأصل إن أدركنا عملية الاشتقاق كيف تكون٢.

والمشتقات تَنْمِي وتكثر حين الحاجة إليها، وقد يسبق بعضها بعضًا في الوجود٣, وليس من اليسير دائمًا أن ندرك أسبقها، وأن نعيّن متى استعملت مادتها الأصلية أول مرة, ومتى بدأت تدل على معنًى خاصٍّ, إلّا أننا نرجح دائمًا أن الحسي أٍسبق في الوجود من المعنوي المجرد، وهذا ما يجعلنا ننتصر للرأي القائل بأن أصل المشتقات هي الأسماء لا الأفعال، ولا سيما أسماء الأعيان, قال ابن مالك في "التسهيل": "فصل" انفرد الرباعي بفَعْلَلَ لازمًا ومتعديًا لمعانٍ كثيرة, وقد يصاغ من اسم رباعي. فصرَّح باشتقاق الفعل الرباعي "فعلل" من اسم رباعي، وهو يريد اسم العين لا شيئًَا آخر, ولقد كان ابن جني صرَّحَ من قبل


١ المزهر ١/ ٣٥١, وقارن بالعلم الخفاق من علم الاشتقاق "لمحمد صديق حسن خان" ١٩.
٢ لذلك قال الأب أنستاس ماري الكرملي بحق: "والفردوس البستان, فإن جمعه فراديس، وفراديس ترعيب لليونانية, واليوناينية من الزندية "بيردايزا". نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها ص٨٤.
٣ فقه اللغة "للمبارك" ص٦٣.
٤ من أسرار اللغة ٤٦ "ط٢".
٥ انظر تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد ص٥٦، طبع بمكة.

<<  <   >  >>