شواهد، لا نجد هذه الجواهر إلّا أصولًا للاشتقاق, معروفة موضوعة قبل أن تعرف أسماء المعاني أو توضع.
فمن ذا الذي يصدق أن مصدر التَّأبُّل "أي: اتخاذ الإبل" قد وضع قبل أن يوضع لفظ أبل نفسه؟ أو أن مصدر التأرض "اللصوق بالأرض" وضع قبل لفظ الأرض؟ أو أن مصدر الاحتضان وضع قبل قبل لفظ الحضن؟ أو التضلع قبل الضلع؟ أو التبحر قبل البحر؟ أو السمو قبل السماء؟
إن البداهة تقضي بوجود أسماء الأعيان المشاهدة المرئية التي تناولتها الحواس قبل أسماء المعاني التي تطورت وانتقلت من مضايق الحس إلى آفاق النفس، وما عُلِمَ أنه أقدم فهو أجدر أن يكون الأصل؛ إذ يكون قياسه مطردًا، وميزانه واضحًا، لذلك كانت أسماء الأعيان هي أصل الاشتقاق دون المصادر؛ لأن هذه المصادر كالأفعال لا تتقيد بموازين دقيقة، ولا تقاس أقيسة سليمة مطردة١.
وكيف لا تكون أسماء الأعيان أصول المشتقات كلها وقد أكثر العرب من اشتقاق الأفعال والمصادر من هذه الأسماء؟ كيف قد امتلأت معاجمنا وكتبنا اللغوية بما لا يحصى من الجوهر التي تفرعت عتها الصفات والأحوال، والمصادر والأفعال؟
ابدأ بالإنسان من رأسه إلى أخمس قدميه، فمن الرأس ذاته اشتقو رَأْستْه رأسًا إذ ما أصبت رأسه، ومن اليافوخ أفخْته أفخًا إذا ضربت يافوخه، فإن ضربت دماغه قلت دمغته، وإن حاذيت صدغه بصدغك في المشي فقد صدغته، وإن أصبت أذنه فقد أذنته، وإن أصبت منخره فقد نخرته، أو أنفه أنفته، أو ذقنه ذقنته، أو ظهره ظهرته،