للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن هذه الكلمة كانت تعد من أدل الدليل على فساد مذهبه لو أنه أخذ بمثلها في جميع هذا الباب، إلا أن منهجه كان أدق وأسلم من أن ينزلق دائمًا إلى مثل هذا الدرك. فالنحت يجمع بين كلمتين متباينتين معنى وصورة، ولا ضير في اتفاقهما في بعض الحروف ما دام حرف واحد بينهما مختلفًا، ولا بأس في تقاربهما في المعنى شريطة أن يكون بين المعنين المتقاربين فرق ملموح مهما يكن ضئيلًا دقيقًا، والجذمور هنا مؤلف من كلمتين: الجِذْم والجِذْر، فما مختلفتان صورة لتباين الحرف الثالث بينهما، ولكنهما -بشهادة ابن فارس- متحدتان معنى؛ إذ تفيد كل منهما عنده معنى "الأصل" مطلقًا من كل قيد، مجردًا من كل فارق دقيق.

وأولَى بالجذمور أن يكون مشتقا من "الجذر" بزيادة الميم إقحامًا والواو إشباعًا، أو من "الجذم" بزيادة الراء كسعًا والواو إشباعًا، وكلتاهما زيادة سماعية لا قياسية، وإذن تكون لغوية لا صرفية، إلا أنها -مع خروجها عن قياس التصريف- لم تنحت كلمة جديدة من كلمتين متباينتين في المعنى، بل ترادفت الكلمتان حتى صح أن تكون الكلمة الجديدة مشتقة من إحداهما اشتقاقًا سماعيًّا، من غير أن يتعين في واحدة منهما أنها أصل في هذا الاشتقاق١.


١ ولا ينبغي أن يتعارض هذا مع ما سبق ذكره من الأمثلة الكثيرة "عن المقاييس وغيرها" من زيادات سماعية عد فيه الحرف المزيد معوضًا لمادة غير معينة؛ لأننا نفترض في المادة المقدرة المختزلة أن صورتها ومعناها يختلفان عن المادة الباقية المزيدة نحتًا وتعويضًا. فإن قدرنا المادة المختزلة مرادفة للمادة الباقية المزيدة عددنا هذه الزيادة ضربًا من الاشتقاق اللغوي السماعي -كما قلنا في الجذمور- واستبعدنا فكرة النحت. ولك إن شئت أن تطبق هذا المنهج على "الترنوق" الذي استشهدنا به على زيادة التاء نحتًا "ص٢٦١ ح١" فمتى قدرت التاء معوضة لمادة ترادف "رنق" لم يصح القول بالنحت. وقل مثل ذلك في جميع ما استشهدنا به من المنحوت بزيادة حرف تعين أنه اختزال لمادة مرادفة للكلمة الباقية على حالها.

<<  <   >  >>