للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريقة الاشتقاق اللغوي السماعي المعروف في أحرف قليلة محفوظة.

وهو -حين يأتي بالشواهد على هذه الزيادة اللغوية السماعية- آية في التدقيق والتحقيق، يصحح الكثير من الأخطاء الشائعة. فمن يقرأ في المعاجم أن الرماح السمهرية منسوبة إلى سمهر١، يظن المادة من الرباعيات الموضوعة وضعًا، ثم لا ثلبث أن يكتشف أن أصلها "السمرة" وأن الهاء فيها زائدة، كما نبه على ذلك ابن فارس.

وتمييزه بين المنحوت والمولد دقيق أيضًا، فلئن اشتبهت عليه "الفرزدقة" المعربة حتى عدها منحوتة من كلمتين، لم تشتبه عليه "الحذلقة" المولدة بلامها الزائدة على "الحِذْق"، بل كشف حقيقة أمرها فقال: "وأظنها ليست عربية أصلية، وإنما هي مولدة، واللام فيها زائدة، وإنما أصله الحذق"٢.

وإن يكن ابن فارس مولعًا بالنحت، يفسر أحيانًا في ضوئه كثيرًا من الكلم العربي ويتعسف في التفسير، وبجانب الدقة في بعض المواطن، لا يصلح هذا لأن يكون ذريعة للكفر بالنحت، والحكم بفساده، والاستغناء عنه في تنمية اللغة وتوليد المصطلحات. فلا عذر لعالم مطلع في إنكار ما وقع للعرب من النحت ولو قليلًا، ولا ما وقع لابن فارس مما لا تكلف فيه، وإنه ليسعنا في تقبل النحت ما وسع هذا العلامة الجليل الذي عرفناه "تقليديًّا محافظًا"٣ أكثر مما عرفناه "مبتكرًا أصيلًا"، فلولا


١ القاموس المحيط ٢/ ٥١. وناظر بين رأي ابن فارس هنا في زيادة الهاء في "سمهر" وما كنا لاحظناه في تقاليب "رهمس" العشرين، بحسب القسمة العقلية، على طريقة الاشتقاق الكبير "ص٢٠٦-٢٠٧".
٢ المقاييس ٢/ ٢٤٩.
٣ نرجو أن يتسامح معنا السادة أعضاء المجامع العربية "في القاهرة ودمشق وبغداد" في استعمال "تقليدي" ترجمة للكلمة الفرنسية Traditionaliste، واستخدام "محافظ" بإزاء Conservateur. فقد جرت بهما الألسنة، وصرت بهما الأقلام، وخفت وقعهما على الأسماع.

<<  <   >  >>