للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصبحت هذه المباحث شغله الشاغل. فليس ثمة مجال لمقارنة هذه التبدلات الصوتية بأمثلة في العربية تخفى فيها المادة الأصلية بعض الخفاء، كما في "أب، ويد، ودم" فإن النسبة إلى هذه الكلمات -صادرة عن متوسط الثقافة كصدورها عن الفقيه اللغوي- تومئ إلى الواو الكامنة في الأصول الثلاثة في كل من هذه الكلمات الثلاث؛ إذ تقول "حنان أبوي، وعمل يدوي، ومزاج دموي"؛ فأصول الأنساب اللغوية ما ضاعت، وحقيقة الأصوات اللغوية ما اختلط بعضها ببعض، ولا التبس أمرها على أحد ممن له إلمام بسيط بالعربية.

والأمثلة الفرنسية السابقة ذات أصل لاتيني قد انقلبت بعض أصواتها عنه، ولكنك تجد في الفرنسية ضربًا عجيبًا من التغير الصوتي لا يقع مثله في العربية بحال من الأحوال. فإذا صرفت بعض الأفعال الشاذة في الفرنسية كفعل الذهاب aller فستجد فيه "أذهب je vais " في الحاضر "سأذهب j'irai" في الاستقبال، وستجد "يذهبون ils vont" في الحاضر "سيذهبون ils iront" في الاستقبال، فقد ضاعت الأنساب الصوتية عند التصريف. ولذلك يحصر الفرنسيون هذه الأفعال في طائفة خاصة وإن كانت غير قليلة، ويسمونها الأفعال الشاذة Les verbes irreguliers.

والمزودجات Les doublets في أكثر اللغات تنشأ من التركيبات الصوتية التي اشتقت أول الأمر من مادة أصلية واحدة ثم دخلت قواميس لغة ما بصور مختلفة وأصوات متغيرة؛ لتفيد معاني خاصة قد يكون لها علاقة بالمعنى الأصيل المشترك، ولكنها -على كل حال- تكف هيئة التركيب الأولية التي لم تتغير عن أداء مفهوم ذهني يقارب مفهومها الذاتي المتطور الجديد؛ لأن جدة مفهومها تعود إلى جدة تراكيبها الصوتية؛ ففي اللغة الفرنسية القديمة كان فعل الطي plier يصرف على النحو التالي: في الحاضر "present".

<<  <   >  >>