وفي الوقت الذي لا يخفى في العربية صوت من أصواتها مهما تتقلب تصاريف موادها المختلفة، فمادتها الأصلية محفوظة ورابطتها المعنوية مصونة، يعترف علماء اللغة الغربيون بعقم أكثر تعليلاتهم لما وقع في لسانهم من التغييرات الصوتية، فهم لا يعرفون مثلًا كيف اختفى من اليونانية الحديثة كل من صوت الهاء المنفسة h والفاء w "Digama". وقد أشار فندريس إلى هذا، بيد أنه لو كلف نفسه بحث سبب اختفاء هذه الهاء المنفسة h" aspire" في لغته الفرنسية نفسها -فضلًا على اختفاء الهاء الساكنة h muet في مثل عشب herbe، رجل homme، بومة hibou- لوجد نفسه مضطرًّا إلى الاعتراف بعجزه عن تعليل هذا التشويه الصوتي، أو قل هذا المسخ الصوتي الشنيع.
وعلماء اللغة الغربيون -بدلًا من التنقيب عن الأسباب الجوهرية للانقلابات الصوتية في لغاتهم- يقنعون أنفسهم بالتنبيه على صعوبة هذه المحاولات في القانون الصوتي، "فالقوانين اللغوية التي يصوغها علماء اللغة لا تعبر إلا عن حالات وسطى، سواء أكان ذلك في الزمان أم في المكان؛ إذ لا يتم التحول الصوتي دفعة واحدة على رقعة من الأرض مترامية الأطراف كتلك التي يتكلم فيها بالفرنسية أو الألمانية أو الإغريقية أو اللاتينية. ومع ذلك، في وسعنا أن نقرر أن الفرنسية قد غيرت الفتحة الممالة المقفلة "e " -التي كان في اللاتينية- إلى "وا" oi، وأن الألمانية تستعمل في داخل الكلمات السين المضعفة مكان التاء t في الإنجليزية سواء أكانت بسيطة أم مضعفة"١.
١ مثل Wasser الإلمانية تقابل Water الإنجليزية "ماء"، besser الإلمانية تقابل Better الإنجليزية "أحسن".