للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدلالات بقدر ما يتاح لها من الاستعمالات؛ لأن كثرة الاستعمال١ لا بد أن تخلق كلمات جديدة تلبي بها مطالب الحياة والأحياء.

ولعل أبرز العوامل في اشتمال لغتنا على هذا الثراء العظيم أن المهجور في الاستعمال من ألفاظها كتب له البقاء، فإلى جانب الكلمات المستعملة كان مدونو المعجمات يسجلون الكلمات المهجورة. وما هجر في زمان معين كان قبل مستعملًا في عصر من العصور، أو كان لهجة لقبيلة خاصة انقرضت أو غلبتها لهجة أقوى منها، وهجران اللفظ ليس كافيًا لإماتته؛ لأن من الممكن إحياءه بتجديد استعماله.

فالاستعمال في العربية على نوعين: مهجور قد يستعمل، ومستعمل قد يهجر، واحتفاظ علمائنا بالنوع الأول كأنه إرهاص لإحيائه، وفي هذا كانت المزية للعربية؛ إذ لا تختفظ سائر اللغات إلا بالنوع الثاني وهو مهدد بالهجران، معرض لقوانين التغير الصوتي، فإذا أميت بالهجر لم يكن في طبائعها ما تعوض به المهجور الجديد بمهجور قديم، فتضطر إلى الاستجداء من لغات أخرى وأحيانًا إلى غصبها والسرقة منها.

ليس من الغريب إذن أن نجد باحثًا كرينان Renan في دراسته للغات السامية تأخذه الدهشة وهو ينقل عن الأستاذ دوهامر De Hammer أنه توصل إلى جمع أكثر من ٥٦٤٤ لفظًا لشئون الجمل، رفيق الأعرابي في الصحراء ومؤنسه في وحشته٢. ليس من الغريب هذا؛ فإن دوهامر لم يقصر بحثه على أسماء الجمل ومرادفاته، بل جمع كل ما يتعلق بشئونه، وهو الكائن الحي الذي لا يستغني عنه العربي لحظة في حياته. وإذن تكون هذه الأسماء الكثيرة نعوتًا للجمل في أحواله المختلفة: في


١ انظر فندريس ٢٤٢.
٢ Renan, Langues Semitiques, p. ٣٨٧

<<  <   >  >>