للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولسنا نريد بهذا أن ننكر مع أحمد بن فارس وقوع الترادف، بل نؤثر أن نعتدل في رأينا، فلا ضير علينا إذن أن نأخذ بمذهب من يقول في شأن الترادف: "وينبغي أن يحمل كلام من منعه على منعه في لغة واحدة، فأما في لغتين فلا ينكره عاقل"١.

وقد تنبه إلى هذا علماء الأصول حين فسروا وقوع الترادف بوجود واضعين مختلفين، "وهو الأكثر: بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد، من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعان، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر، وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية"٢.

وإن خفاء الواضعين حين لم يمنع اشتهار الوضعين قد زاد من ثروة اللغة المثالية حتمًا، فقد انتقل إلى هذه اللغة كثير من مفردات القبائل الأخرى، وأصبحت في الحقيقة تؤلف جزءًا من صيغها وألفاظها، وتنوسيت الفروق الدقيقة التي تميز لهجة من لهجة، أو حفظ بعضها وأهمل البعض الآخر.

وعلى هذا الأساس نقر بوجود الترادف في القرآن الكريم؛ لأنه وقد نزل بلغة قريش المثالية يجري على أساليبها وطرق تعبيرها، وقد أتاح لهذه اللغة طول احتكاكها باللهجات العربية الأخرى اقتباس مفردات تملك أحيانًا نظائرها ولا تملك منها شيئًا أحيانًا أخرى، حتى إذا أصبحت جزءًا من محصولها اللغوي فلا غضاضة أن يستعمل القرآن الألفاظ الجديدة المقتبسة إلى جانب الألفاظ القرشية الخالصة القديمة، وبهذا نفسر ترادف


١ انظر المزهر ١/ ٤٠٥. يقرب من هذا قول ابن جني في "الخصائص ١/ ٣٧٨": "وكلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن يكون لغات لجماعات اجتمعت لإنسان واحد من هنا وهناك" وقارن بما ذكرناه ص٦٣.
٢ المزهر ١/ ٤٠٥-٤٠٦.

<<  <   >  >>