للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففائدته تقوم على الكم الا الكيف؛ إذ تُوسع من القيم التعبيرية، وتبسط من مداها اللفظي؛ بينما لا تسعفنا إلا بصورة مموهة عن كيفية وصولها إلينا معبرة عن عدد من المعاني بعد أن كانت في الأصل لا تعبر إلا عن معنى واحد.

نحن إذن لا نستغرب موقف لغوي كبير مثل لروا B Leroy من هذه الألفاظ المشتركة في اللغة الفرنسية بوجه خاص، واللغة الإنسانية بوجه عام. فهو يرى "أننا حينما نقول: إن لإحدى الكلمات أكثر من معنى واحد في وقت واحد إنما تكون ضحايا الانخداع إلى حد غير قليل؛ إذ لا يطفو في الشعور من المعاني المختلفة التي تدل عليها إحدى الكلمات إلا المعنى الذي يعينه سياق النص"١.

ولقد كان علماؤنا القدامى أكثر الناس تقديرًا لحدود ما يعرفون وحدود ما يجهلون، فقد تخفى موارد الاشتقاق عليهم جميعًا، ولا يدل خفاؤها على عدم ملاحظة العرب لها. "قال أبو العباس عن ابن الأعرابي: كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، وربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمض علينا، فلم نلزم العرب جهله. وقال: الأسماء كلها لعلة خصت العرب ما خصت منها. ومن العلل ما نعلمه ومنها ما نجهله. قال أبو بكر٢: يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت مكة لجذب الناس إليها، والبصرة سميت بصرة للحجارة البيض الرخوة بها، والكوفة سميت الكوفة لازدحام الناس بها، من قولهم: قد تكوف الرمل تكوُّفًا إذا ركب بعضه بعضًا، والإنسان سمي إنسانًا لنسيانه، والبهيمة سميت بهيمة لأنها أبهنت عن العقل والتمييز، من قوله: أمر مبهم إذا كان لا يعرف بابه،


١ B Leroy Le langage ٩٧
٢ يعني أبا بكر بن الأنباري في كتابه "الأضداد".

<<  <   >  >>