للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض هذه المثلثات أوزانًا معروفة لديه سواء أكانت شائعة أم نادرة الاستعمال، ولكنه أدرك الاتجاه الجديد الذي كان الكرملي يقود إليه معاني هذه الأوزان، لتستحيل في أيدي العرب المعاصرين مقاييس حية تستعمل في كثير من الميادين الحضرية الجديدة.

ومن هنا رأى الكرملي مثلًا أن "الفِعالة" بالكسر لا ينبغي أن تحصر في مدلول الصناعة كالحراثة والزراعة والمساحة والنجارة والحدادة؛ بل يبسط معناه ليشمل الدلالة على الآلة والإدراة، كأن "فعالة" تأنيث لفِعال الدال بنفسه على الآلة كالبساط واللباس والحزام والشكال١، وبذلك يتضح لنا معنى الآلة من نظائر هذه الألفاظ الفصيحة المتداولة: الإداوة اوالرحالة والضبارة والكنانة والقلادة٢.

ويُحمد للكرملي بصورة عامة ذهابه إلى توسيع مدلولات الأوزان أو بسط مداها من غير أن يمس سلامة اللغة أو فصاحة مقاييسها؛ كدعوته إلى إحياء وزن "فَعَلْعَل" كعصبصب، وغشمشم، وسمعمع، وعرمرم، باستعماله في كل وصف يكثر تحلي صاحبه به.

وليس من شأننا هنا -لدى موازنة آراء المحدثين التي أشرنا إليها- أن نخوض في قضايا القياس التي أفاض فيها المناطقة والمتكلمون والأصوليون من الفقهاء والنحاة، ولا من شأننا أيضًا التعرض للحالات التي يجب فيها القياس، فلهذا كله مواطن أخرى رحبة لا يتسع لها هذا المجال، وإنما يجدر بنا أن نعترف بالحقيقة الاجتماعية اللغوية التي تقول: "كلما قويت اللغة قوي القياس وكثرت الصيغ القياسية"٣، فلنرحب بكثرة ما


١ ولذلك رأى الكرملي أيضًا أن وزن "فعال" لا ينبغي أن يحصر في معنى الامتناع عن الشيء كالإباء والنفار والشراد، بل يشمل قياسيًّا مختلف معاني الآلة.
٢ راجع نشوء العربية أيضًا ١١٤.
٣ المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ٣٢.

<<  <   >  >>