للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرواية واللغة, إلى بعض تلك اللهجات. فهذا ابن جني١ على عنايته بدقائق الدراسة اللغوية لا يتردد في "خصائصه" في عقد فصل خاص حول ما سماه: "اختلاف اللغات وكلها حجة", وهو يقصد باللغات لهجات العربية المختلفة، وينصّ على جواز الاحتجاج به جميعًا، ولو كانت خصائص بعضها أكثر شيوعًا من خصائص بعضها الآخر, فيقول: "إلّا أن إنسانًا لو استعملها لم يكن مخطئًا لكلام العرب، لكنه يكون مخطئًا لأجود اللغتين؛ فأما إن احتاج إلى ذلك في شعر أو سجع, فإنه مقبول منه غير منعي عليه، وكذلك أن يقول: على قياس مَنْ لغته كذا كذا، ويقول: على مذهب مَنْ قال كذا كذا؛ وكيف تصرفت الحال؛ فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه"٢.

ومن يعترف بأن اللغات كلها حجة، لا يتعذر عليه أن يتصور اجتماع لغتين فصاعدًا في كلام الفصيح، فحين قال الشاعر:

فَظَلْتُ لدي البيت العتيق أخيلهو ... ومِطْوايَ مشتاقانِ لَهْ أرقانِ

لم يكن عسيرًا على ابن جني أن يرى في إثبات الواو في "أخيلهو", وتسكين الهاء في قوله: "لَهْ" لغة جديدة انضمت إلى لغة الشاعر الفصيح، فليس إسكان الهاء في "لَهْ" عن حذفٍ لحق بالصنعة الكلمة،


١ هو أحد أئمة اللغة والنحو والأدب، عثمان بن جني، أبو الفتح، له شعر, كان المتنبي يقول فيه: "ابن جني أعرف بشعري مني", طُبِعَ كثير من تصانيفه، ولا يزال بعضها مخطوطًًا "كالمحتسب في شواذ القراءات". وكتابه "الخصائص" من أنفس المؤلفات في العربية, توفي سنة ٣٩٢هـ , "وانظر في ترجمته إن شئت معجم الأدباء ٥/ ١٥-٢٢".
٢ الخصائص ١/ ٤١١.

<<  <   >  >>