للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع كثرة من ينتمي إلى هذه القبائل من الشعراء يلاحظ أن أحدًا من رجال الطبقة الأولى لم ينسب إليها، وإنما كان المنتسبون إليها من الجاهليين مقلِّين، لا يروى عنهم إلا النزر اليسير, فمن التميميين أوس بن حجر، وسلامة بن جندل، وعلقمة بن عبدة، وعديّ بن زيد، وعمرو بن الأهتم، والبرَّاق بن رَوْحَان، والأسود بن يعفر, ومن الطائيين حاتم الطائي، وأبو زبيد الطائي، وإياس بن قبيصة, ومن الهذليين: أبو ذؤيب الهذلي، وعامر بن حُلَيْس، وخويلد بن خالد.

وإذا آثرنا عدم التوسع في اللهجات -حتى لا يطول بنا البحث كثيرًا والمقام لا يسمح له- فإن أقصى ما يُغْتَفَرُ لنا الاقتصار عليه من لهجات العربية الباقية مجموعتان رئيستان عظيمتان، إحداهما حجازية غربية أو كما تُسَمَّى أحيانًا "قرشية", والأخرى نجدية شرقية, أو كما تدعى أحيانًا "تميمية"، فهذه القسمة الثنائية الرئيسة للهجات العربية الباقية, هي الحد الأدنى لتلك المجموعة الواسعة من الوحدات اللغوية المنعزلة المستقلة. وليستحيلنَّ علينا بدون هذه القسمة أن نعلل تعليلًا علميًّا صحيحًا وجود تِعْلم ونِعْلم بكسر حرف المضارعة إلى جانب تَعْلم ونَعْلم، ووجود حُمْر وجُمْعة إلى جانب حُمُر وجُمُعة، ووجود حَقِدَ يَحْقَدُ إلى جانب حَقَدَ يَحْقِدُ، ووجود مَدْيون إلى جانب مَدِين، ومُرْيَة ومِرْيَة، وهيهات وأيهات٢، وأمثال ذلك أكثر مما نتصور، والخلاف حوله في أصل لهجتي قريش وتميم أوسع نطاقًا مما نُقَدِّرُ أو نستشعر, وسنرى أن لهجة قريش، التي جعلتها العوامل السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية اللغة العربية الفصحى المقصودة عند


١ عبارة الدكتور إبراهيم أنيس في "اللهجات ١٤٠" أشد عنفًا مما ذكرنا، ولا داعي لهذا الغلو، ففي كتب "الطبقات" إشارة إلى بعض أولئك الفحول منع كثرة ما ينسب إليهم من الشعر، بالإضافة إلى غيرهم، وحسبك بديوان الهذلين حجة وبرهانًا!
٢ اللفظة الأولى من جميع هذه الأمثلة لتميم, والأخرى لقريش.

<<  <   >  >>