للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وراح المجاهدون يتتبعون يزدجرد، الذي كان يمثل للفرس رمز بلادهم السلبية فتتجمع حوله الفلول، وتثور تاثرة الفتنة من حين لآخر، وكان قد فر -من جلولاء إلى حلوان، ومنها إلى الري، فقرميسين، ثم إلى نهاوند- أمام جنود المسلمين حيث راح يحشد الحشود لآخر معركة تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى اجتمع فيها مائة وخمسون ألفًا بقيادة الفيرزان١.

وكان اهتمام المسلمين بها عظيمًا أيضًا، حتى لقد هم عمر بالخروج إليها بنفسه، وقد انتصر المسلمون فيها بفضل الخطة البارعة التي وضعها فرسان المسلمين، ونفذها القعقاع الذي يصور بلاء المسلمين في قوله:

ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا ... لشر ليال أنتجت للأعاجم

ملأنا شعابًا في نهاوند منهم ... رجالًا وخيلًا أضرمت بالضرائم

وراكضهن الفيرزان على الصفا ... فلم ينجه منها انفساح المخارم٢

انتهت مقاومة الفرس الرسمية بوقعة نهاوند، التي تعرف بفتح الفتوح؛ لأنه لم يكن بعدها حرب خطيرة، وشغل المسلمون بتعقب يزدجرد حتى يقضوا على الشغب الذي يثيره، وكان هذا العمل داخلًا في مهمة الأحنف بن قيس، الذي عقد له لواء خراسان. وكان عمر قد عقد لرؤساء الجند ليفتحوا بلدان الأطراف، فوجه عثمان بن أبي العاص إلى أصطخر وسار ابن زنيم إلى فساودراخرد، وسهيل بن عدي إلى كرمان، وعاصم بن عمرو إلى سجستان، والحكم التغلبي إلى مكران. وكان يزدجرد قد فر من نهاوند إلى أصفهان، فتقدم جند الأحنف إليها، ففر إلى أصطخر، ولكنه لم يأمن إزاء ألوية المسلمين، التي كانت تستبرئ الأهوار وخوزستان، فغادر المنطقة بأسرها إلى المقاطعات العليا من طبرستان، يلبي دعوة جاءته من مرزبانها٣.


١ الطبري ج٥، ص٢٦٠٨.
٢ ياقوت ج٤، ص٨٣٨.
٣ بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية ص١٢٦.

<<  <   >  >>