للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم المجاهدون بعبور النهر، ولكن عمر لم يرَ رأيهم، فاكتفوا بالانسياح في سواحل كرمان، وتقدموا إلى مكران، ثم حاز الحكم التغلبي كرمان ذاتها ولم يتقدم، وقال في ذلك مشيرًا إلى أوامر عمر:

غداة أدفع الأوباش دفعًا ... إلى السند العريضه والمداني

فلولا ما نهى عنه أميري ... قطعناه إلى البلد الزواني١

ويكاد يكون عهد عثمان بن عفان تأكيدًا للفتح، وقضاء على الانتفاض، فلم يحدث في هذا الميدان لعهده غير فتح طبرستان، وغدا ذلك شغل أمراء الجند باستعادة أذربيجان ومناطق فارس وخراسان، التي قتل أهلها أميرهم عبيد الله بن معمر، فسير إليهم الخليفة عبد الله بن عامر فاستردها، وقال أحد جنده أسيد بن المتشمس في ذلك:

ألا أبلغا عثمان عني رسالة ... لقد لقيت عنا خراسان ناطحا

رميناهم بالخيل من كل جانب ... فولوا صراعًا واستعادوا النوابحا

غداة رأوا الخيل العراب مغيرة ... تقرب منهم أسدهن الكوالحا

تنادوا إلينا واستجاروا بعهدنا ... وعادوا كلابا في الديار نوابحا٢

وهكذا رافق الشعر موكب الفاتحين شرقًا خطوة خطوة، وواكب المد المنطلق إلى غايته طوال الطريق، لم يغادر حادثة إلا سجلها، ولم يترك وقعة إلا صورها.

وهذا ما يجعل شعر الفتوح الشرقية سجلًّا هامًّا ووثيقة تاريخية، ومرجعًا وجدانيًّا بالغ القيمة في الكشف عن عواطف الفاتحين وظروف حياتهم في الميدان، وما كان يضطرب في أعماقهم من مشاعر وأحاسيس، صورها الشعر تصويرًا واضحًا شاملًا.


١ الطبري ج٥، ص٢٧٠٨.
٢ ياقوت ج٢، ص٤١٢.

<<  <   >  >>