للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الميدان لم يختطوا لهم خطة، ولم يبتنوا محلة أو مدينة فيه كما فعلوا بالعراق، وكما فعلوا في مصر بعد ذلك، فلم يكتب لهم إقامة فيه؛ إذ تحولوا عنه إلى مصر.

وقد ساعد على اختلاط تصنيف الجيوش الفاتحة للشام أنها لم تجيش في كثرتها من المدينة؛ وإنما خرجت إلى الميدان من العراق، ومن أطراف شبه الجزيرة، حينما استنفر أبو بكر عماله ففصلوا بجند من عمالاتهم.

وبرغم هذا فإننا نستطيع بمعونة الروايات القليلة التي بين أيدينا أن نصف جند الفتح الإسلامي للشام ومصر في صورة قريبة من الأصل أو دالة عليه.

كانت الخطوة الأولى في فتح الشام توجيه خالد بن سعيد بن العاص إلى تيماء، وكان أبو بكر قد عقد له في ألوية الردة، فنهاه عمر بن الخطاب عن تأميره، وما زال يحرضه على عزله، حتى جعله أبو بكر ردءًا بتيماء، على تخوم الشام لا يبرحها، وأن يدعو القبائل التي حلها للانضمام إليه إلا من ارتد، وألا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره. ونفذ خالد أمر الخليفة، فاجتمعت إليه جموع كثيرة، جعلت عسكره عظيمًا١، وهذه الجموع يمنية بطبيعة الحال، من القبائل الضاربة في تخوم الشام، كقضاعة وكلب وجهينة وعذرة. وترامى إلى هرقل نبأ خالد، وترامى إلى خالد استعداد هرقل، فكتب إلى الخليفة يستفتيه، ويطلب الإذن بقتال الروم. وكان أبو بكر قد اطمأن إلى انتهاء فتنة الردة وبلوغ خالد بن الوليد إلى الحيرة ورأى أن جموع خالد بن سعيد لا تكفي لمنازلة الروم، فاستشار صحابته ثم عول على أن يستنفر أهل اليمن لفتح الشام. ولقيت دعوته إقبالًا شديدًا خف على أثرها وجوه اليمن إلى خيلهم وسلاحهم، ونهضوا في قومهم، وساروا إلى المدينة، وكان منهم ذو الكلاع الحميري، وقيس بن هبيرة المرادي في مذحج، وجندب بن عمرو الدوسي في الأزد، وحابس بن سعد الطائي في طيئ.

ورافق مقدمهم إلى المدينة كتاب خالد بن سعيد، وقدوم عكرمة فيمن معه من تهامة وعمان والشحر والبحرين، فبعث بهم أبو بكر إلى خالد٢. وقبل أن تصل هذه الأمداد إلى خالد بن سعيد ترامت إليه أنباء تأليب الروم لقبائل من بهراء وكلب وتنوخ


١ الطبري ج٤، ص٢٠٨١.
٢ ابن خلدون ج٢، ص٨٣.

<<  <   >  >>