للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأعطيت مروان خمس الغنيمـ ... ـمة آثرته وحميت الحمى

ومالا أتاك به الأشعري ... من الفيء أعطيته من دنا

فإن الأمينين قد بينا ... منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهمًا غيلة ... ولا قسمًا درهمًا في هوى١

وجلي أن هذه الأبيات لم يقلها الشاعر في المعركة، وإنما قالها في شبه الجزيرة، يلوم فيها على الخليفة تفريطه في فيء المسلمين ومحاباته أقاربه، وليس هناك أشعار وراء هذه الأبيات التي لا تصور من الفتح إلا جانبًا فرديًّا شاحبًا من جوانب المعركة، وبذلك لا نجد في الشعر آثارًا للتجربة الهائلة التي كنا نتوقع أن نرى لها نتائج أدبية خطيرة، لما كان من عنف المعارك، وقسوة القتال، واختلاف البيئة وجدتها على الفاتحين، وغنائها بالعناصر الجديرة بالوصف، والملهمة بالتعبير.

ولهذا لا يمكننا أن نعزو انعدام التعبير الشعري هنا لانعدام المثيرات، فإن التجربة حافلة بالأحداث المثيرة، والأحاسيس المختلفة الحقيقة بالتعبير والتصوير.

ولا نملك إزاء ما نجد من تقصير الشعر في رسم جوانب تجربة الفتوح الإسلامية في الشام، وندرة الشعر أو انعدامه في مصر وإفريقية، إلا أن نقرر ما سبق أن قررناه من أن جل الفاتحين لهذه الميادين كانوا من عرب اليمن، الذين لم يرزقوا ما رزق العدنانيون من اقتدار على التعبير الشعري، وأن ما وجد في الشام من الشعر لم يكن إلا نتيجة لوجود بعض القبائل العدنانية التي استقرت لفترة ثم رحلت، وأن ما وجد بمصر لم يكن إلا نتيجة لوجود بعض قبائل عدنان الشهيرة بالشعر، وربما ضاع في مصر شعر لقبائل أخرى لم تصل إلينا دواوينهم، كما وصل إلينا ديوان هذيل. ولا شك أن من أهم الأسباب الفاعلة في قلة الشعر في مصر والشام وأنه لم يدون، وأن الذين كتبوا عن الفتوح كانوا في جملتهم من مؤرخي العراق ورواته، وكذلك كان رواة الشعر، ومن ثم ضاع الشعر الذي نظم في الفتوح بغربي الدولة. على أن كما قدمنا نفترض إلى جانب ذلك أن قلته ترجع إلى أن كثرة القبائل المهاجرة هناك كانت يمنية، والشعر في مضر لا في


١ الاستيعاب ج١، ص٤١٠، ٤١١، أغاني دار الكتب ج٦، ص٢٦٨.

<<  <   >  >>