للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين بلغت قسوتهم في الحملة عليه وعلى الإسلام حد أن توعدهم بالقتل، وقتل بعضهم فيما بعد١.

وكل ما نريد أن نوضحه أن الإسلام لم يقف من الشعر موقفًا عدائيًّا، ولم يحاول أن يحمل العرب على الانشغال عنه، وإنما كان موقفه منه كموقفه من كل مظاهر الحياة المتخلفة عن الجاهلية؛ إذ حاول أن ينفي عنها طوابعها التي لا تتلاءم مع الدعوة الإسلامية، ثم يدفعها للانسياق في إيحاءات الحياة الإسلامية ومتطلباتها، في نطاق من تعاليم الدين الجديد.

فلم يكن من هدف الدين الإسلامي، ولا من هدف رسوله صلى الله عليه وسلم في شيء أن يحول بين العرب وبين الشعر، وإنما كان الهدف أن يوضع الشعر موضعه، وأن يخطط له بما يجعله ذا قيمة فاعلة في حياة المسلمين، لما كان يدركه من عمق الصلة بين حياة العرب وبينه.. وأنه لن يستطيع أن يقصر حياتهم الفنية على ما كان من إعجاز القرآن وترتيله، ومن ثم فقد آثر أن يحوله عن وجهته الجاهلية إلى هذا الأفق الجديد، فحرض الشعراء، ودعا لهم وأغراهم على السير فيه، بينما ضرب على أيدي الشعراء الذين ظلوا يعيشون بمفاهيم جاهلية، يتخذونها وسيلة لمحاربة الإسلام والتنفير منه، وإثارة الفتن والعصبيات، وإيذاء النفوس، وإشاعة البغضاء بين الناس.

حمل الإسلام حملة شعواء على هؤلاء الشعراء وعلى شعرهم تجلت في سورة الشعراء، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فصورهم في صورة بشعة، ولم يستثنِ منهم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا، وهؤلاء هم الذين نافحوا عن الدين، وذادوا عن العقيدة.

ولم يكن من اليسير أن تتغير مفاهيم الشعر وقيمه بين ليلة وضحاها، فهذه القيم قد رافقت الشعر أجيالًا طويلة، وليس في الإمكان طرحها دَفْعَة واحدة واستبدالها بقيم إسلامية تحل محلها، وإنما احتاج الأمر إلى بعض الوقت الذي تبعد فيه الحياة تدريجيًّا عن رواسب الماضي، وتترسب هذه القيم الجديدة في النفوس رويدًا رويدًا.


١ العمدة ج١، ص٧.

<<  <   >  >>