للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى هجرة كانت سناء ورفعة ... لباقيهم فيهم وخير مراغم

فجاءت بهم في الكتائب نصرة ... فكانوا حماة الناس عند العظائم

فصفوا لأهل الشرك ثم تكبكبوا ... وطاروا عليهم بالسيوف الصوارم

لدى غدوة حتى تولوا تسوقهم ... سيوف تميم كالليوث الضراغم١

وهل كان بإمكان شاعر أن يقول مثل هذا القول في المسجد -مثلًا- وعمر بن الخطاب يمسك بأذن حسان بن ثابت ليعنفه على ما قال من شعر، شبهه بأنه رغاء كرغاء البعير٢.

فالأمر في رأينا لا يخرج عما كان من موقف الفروسية العربية من الإسلام، فقد وجدت فرصتها في الفتوح بعد أن ضافت بها الحياة الإسلامية فنهت عن أن يقاتل المسلم أخاه، فإن فعل فقد قاتل تحت راية عمية، وإن قتل قتل قتلة جاهلية. كذلك كان الشعر، ووجد فرصته في الفتوح، حيث يفاخر الشاعر ببلائه، وينهى به إلى امرأته أو صاحبته، ويهجو الكفرة أعداءه، ويقذع في هجائهم دون تحرج أو ضير.

فكما كانت الفتوح متنفسًا للعرب المفطورين على الفروسية والنجدة والشجاعة فطرحوا فيها ما كان من بأس فيما بينهم، كذلك كانت الفتوح متنفسًا للعرب المفطورين على الشعر والفصاحة طرحوا فيها كل ما كان محظورًا عليهم في مواقف أخرى.

ولا شك في أن ارتباط الفتوح بفكرة الجهاد التي تمثلت بلورة نورانية تخطف قلوب المؤمنين، كان له أثر كبير في ترسيب المثل الإسلامية في نفوس المجاهدين من الشعراء، فانطلقت ألسنتهم بما رأينا من الشعر الذي واكب عمليات الفتوح خطوة خطوة.

وجدير بالذكر أن الشاعر المسلم في الفتوح قد مارس ألوان الشعر التي كانت محظورة عليه قبل الفتح في ظلال فكرة جديدة، لم تكن القبلية بحال من الأحوال، وإنما كانت فكرة الجماعة الإسلامية الكبيرة، فوقف منها موقف المدافع، وانبرى يشيد


١ الإصابة ج٦، ص٢٦٢.
٢ أغاني دار الكتب ج٤، ص١٤٤.

<<  <   >  >>