للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شغل المسلمون إذن عن الشعر. ففيمَ الخلاف مع ابن سلام الذي قرر أن الإسلام شغل العرب عن الشعر؟ إن الخلاف ليس في هذا القول، وإنما فيما يقرره من أن شغل العرب كان بالجهاد وبغزو فارس والروم.

فإن الحقيقة كما قررناها أن شغل المسلمين عن الشعر لم يكن إلا نتيجة لمحاولة الإسلام تغيير مفاهيم الشعر ليتفق وتعاليمه ومثله، وأن الشعر عجز عن أن يقدم للناس ما وجدوه في القرآن فخفت صوته، وإن لم تغض منابعه.

ثم كانت الفتوح الإسلامية التي أذكت جذوة الشعر العربية وأطلقت الألسن من عقالها، وكأنما كان الشعر الرئة التي تنفس خلالها ما اختزن في النفوس العربية خلال هذه الفترة، فقد فتحت الفتوح أمام الشعر مجالات واسعة، ووضعت أمام الشعراء مواقف شبيهة بالمواقف التي ألفوها وألفها الشعر في الجاهلية، وإن اختلف الهدف بين المواقف اختلافًا شاسعًا، إلا أنها قد أزالت حرج الشعراء، وفتحت أمامهم أبوابًا كان طرقها محظورًا في ظلال الفكرة الإسلامية، فلا بأس على الشاعر إذا ما أشاد ببلائه وفخر بقومه ما داموا جميعًا يذودون عن العقيدة، ويبذلون الأرواح رخيصة في سبيلها. أما قبل الفتوح فإن الفخر ليس إلا انحرافًا عن حدود المهمة التي نيطت بالشعر إلى إثارة النعرات والعصبيات التي كان يجب أن تختفي ويعفى على آثارها.

لا ضير في أن يشعر الفرد المسلم بما لقبيلته من مجد مؤثل في موطن بذلها في سبيل العقيدة، كما فعل نافع بن الأسود بن قطبة في الفخر ببلاء تميم من مقتلة أسد بالقادسية:

وقال القضاة من معد وغيرها ... تميمك أكفاء الملوك الأعاظم

هم أهل عز ثابت وأرومة ... وهم من معد في الذرا والغلاصم

وهم يضمنون المال للجار ما ثوى ... وهم يطعمون الدهر ضربة لازم

لذلك كان الله شرف فر ... سانها في الزمان الأول المتقادم

وحين أتى الإسلام كانوا أئمة ... وبادوا معدا كلها بالجرائم

<<  <   >  >>