للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يروي أنه كان في جيش النعمان بن مقرن، وأنه شهد معه حرب الفرس في المدائن١، ثم لا نجد من هذه الآثار المشهورة إلا قصيدة واحدة، وإن كانت طويلة جدًّا؛ إذ تبلغ نيفًا وثمانين بيتًا، تتنازعها هذه الروايات جميعًا بين أن تكون قد قيلت في وقعة بابل التي كانت بين المثنى وهرمز على مبعدة خمسين ميلًا من المدائن٢، أو أن تكون قد قيلت في وقعة المدائن ذاتها، أو في نهاوند، حينما غزا مع النعمان بن مقرن. وقد توهم صاحب الإصابة أنها المدائن، متابعة في ذلك لصاحب الأغاني.

ونحن نميل إلى أن تكون هذه القصيدة قد قيلت في وقعة نهاوند، التي وقعت بعد تمصير الكوفة التي يشير إليها الشاعر.

ويجد الباحث نفسه متحيرًا أمام هذه القصيدة الرائعة، ولا ترجع حيرته إلى روعتها وإلى امتداد نفسها في مثل هذه الظروف القلقة فحسب، وإنما للحيرة أسباب أخرى.

فجميع الروايات متفقة على أن هذه القصيدة من قصائد الفتح الإسلامي، وأنها قيلت في إحدى الوقائع التي شهدها الشاعر ضد الفرس، والقصيدة تشير إلى ذلك في بعض أجزائها، من مثل قول عبدة في مطلعها:

هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول؟

حلت خويلة في دار مجاورة ... أهل المدائن فيها الديك والفيل

يقارعون رءوس العجم ضاحية ... منهم فوارس لا عزل ولا ميل

فخامر القلب من ترجيع ذكرتها ... رس لطيف ورهن منك مكبول

رس كرس أخي الحمى إذا غبرت ... يومًا تأوبه منها عقابيل

وللأحبة أيام تذكرها ... وللنوى قبل يوم البين تأويل

إن التي ضربت بيتًا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول٣


١ ج١٨، ص١٦٣، الإصابة ج٥، ص١٠١.
٢ راجع صحيفة ٢٩ من هذا البحث.
٣ المفضليات ٢٢٨، ٢٧٠.

<<  <   >  >>