للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلى هذا الحد لا موجب للحيرة، فالشاعر يتحدث عن صاحبته التي هجرته -أو هجرها- ونزحت إلى الكوفة؛ حيث جاورت المدائن التي فيها الديوك والفيول وحيث المسلمون يقارعون فوارس الفرس. وقد عاوده حبه القديم كأنه مس الحمى في مبتدئها ومنتهاها. وصاحبته هذه التي استوطنت الكوفة لا تشعر به، فقد نسيت هواه، وكأنما غالته غول.. إلى هنا لا موجب للحيرة.

ثم ينتقل الشاعر من بعد إلى وصف ناقته ورحلته بعد أن تخلص فرمى نفسه بالضلال، إذا سمح للصبابة أن تشغله عن عمله، واستغرق وصفه لناقته ستة عشر بيتًا، وصفها فيها بعظم الخلقة والسرعة والقوة، في لغة جاهلية نحتت نحتًا، وتعرض في أثناء ذلك إلى وصف ما صادفه في الرحلة من القطا، ثم عاد إلى وصف الناقة، فشبهها بثور وحشي، وصفه بأنه بعيد ما بين القرنين محجل مكحول العين. ووصف القانص الذي يترصده وزوجه تنتظره وقد نام في حجرها صغير كالقرد، وهذا القانص يغري كلابه الضارية المدربة، ثم يصور المعركة التي نشبت بين الثور والكلاب تصويرًا رائعًا برغم ما يكتنف ذلك من صعوبة اللغة وتقعرها. ووصف بعد ذلك خروج الحيوان متأثرًا من المعركة، يستقبل الريح كأنه السيف المسلول، ويصور إعياءه بعد أن صرع الكلاب طعنًا في صدورها فأنهك، لكنه يستشعر الظفر والانتصار فيجري، وآثار المعركة بادية عليه، ودماء ضحاياه تلوث وجهه، وقد تدلي لسانه عن شمال شدقه، ويجري فيثير جريه النقع، ولكنه يبرك ثانية حتى يكل فرجه من ارتطامه بالحصى. وقد استغرق الشاعر في وصف هذه المعركة عشرين بيتًا، انتقل بعدها إلى وصف منهل دل عليه رفاقه في الرحلة، وكان الماء قد نفد فوردوا، وقد ران عليهم النعاس من الإجهاد. ثم قالوا حد الظهيرة، وبعد ذلك رفعوا أرديتهم. وصاروا يعدون اللحوم للطعام ما بين ورد وأشقر، وفار باللحم للقوم المراجيل، وأكلوا ثم مسحوا أيديهم في مناديل من أعراف خيولهم الجرد المسومة. ويستغرق هذا المشهد سبعة أبيات، يتحدث في آخرها عن الخيول، ثم يعود كرة أخرى إلى وصف العيس التي ارتحلوا عليها.

ويعود بعد ذلك إلى حديث يذكرنا بالأبيات التي أسلفنا، ذلك أنها تنصرف فيما انصرفت فيه تلك الأبيات من تصوير الجهاد، وهي كذلك رقيقة في لغتها حيث يقول:

<<  <   >  >>