للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نرجو فواضل رب سيبه حسن ... وكل خير لديه فهو مقبول

رب حبانا بأموال مخولة ... وكل شيء حباه الله تخويل

والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شح وإشفاق وتأميل١

ثم انصرف عبدة بن الطبيب إلى وصف جرأته ومغامراته التي أفزع بها الوحوش في هدأتها، وطروقه القفار والأهوال بجواده المتكامل الخلقة، الذي تميزه سيقانه القوية السريعة المقتدرة. واستغرق هذا المشهد تسعة أبيات راح يصف بعدها طروقه لحوانيت الخمارين، مع صياح الديك، ومع رفيق ضليل مثله أعداه بلذاته وخرقه، جاد إذا حزبه الأمر، مخالط للهو واللذات، وفي هذا الحانوت بسطت لهما الفرش المزينة بالتصاوير الرائعة للدجاج والأسد، في جو رائع؛ حيث ترسل ذبالة ضوئها فترى الزق معدًا، وآثار العراك باقية، والأكواب موضوعة، والأباريق مصفوفة، والريحان مجهزًا، وأكوابًا مترعة، والزبد طاف فوقها، والشواء يسعى به متمنطق عجول؛ حيث أعد الخوان وفوقه التوابل، واصطبح الشاعر بما شاء من طيب الراح، وتابع الشرب صرفًا وممزوجة على الريحان، وعلى شعر مذهب لآنسة جيداء، صوتها ترتيل، تغدو على الشرب وتروح، فتلهيهم تارة وتارة أخرى يحاصرونها، ويلقون عليها بردهم وسراويلهم إعجابًا.

هل أمام الدارس إلا أن يقف محيرًا أمام هذه القصيدة الرائعة؟

وعلامَ الحيرة؟ إن تلك الأبيات التي أشرنا إليها قد قيلت في الفتح، وما عداها لا يمكن أن يكون من شعر الفتح، أو من الشعر الإسلامي ألبتة والقصيدة إذن جزآن واضحان ومختلفان في مدلولهما وصياغتهما، أحدهما إسلامي، والآخر جاهلي. وليس ببعيد أن يكون أحد الرواة قد مزجهما في قصيدة واحدة على هذا الشكل الذي نراها عليه، وروتها به الروايات.

والذي يجعلنا نميل إلى هذا الرأي ما نراه من شبه في الصياغة الفنية لهذه الأبيات الإسلامية في القصيدة، وفي قصيدته الإسلامية التي يُوصي فيها ابنه ويقول في ختامها:


١ المفضليات ٢٨٦.

<<  <   >  >>