للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدا هذه الأبيات، فهل ينزلق بعد ذلك إلى الحديث عن مغامراته اللاهية من أجل الشراب والعبث، فهو عتيق في هذا اللهو، يفتن صديقه الزميت حتى ليجعله يضرب بعذل العذال عرض الحائط فيتبعه، ويعصاهم ويطيع لذته. وصديقه شريف الحسب، يذهب إليه الشاعر فينبهه في الصباح أو قبل أن ينبلج الصباح ليأتيا حانوتًا من حوانيت الخمارين؛ حيث يصطحبان فيه معتقة لم يقتل عنفوانها الماء، ولا يزالان يسقطان على هذه الحوانيت حتى تفرغ حاجتهما إلى اللذة. وعندما ينتشي الشاعر تهاجمه الذكريات فيتحسر على سنوات عمره المائة، التي أضاعها سنة إثر سنة، والدهر يبلي كل جدة مبذل. فيقول:

وأخي محافظة عصى عذاله ... وأطاع لذته معم مخول

هش يراح إلى الندى نبهته ... والصبح ساطع لونه لم ينجل

فأتيت حانوتًا به فصبحته ... من عاتق بمزاجها لم تقتل

صهباء إلياسية أغلى بها ... يسر كريم الخيم غير مبخل

ومعرس عرض الرداء عرسته ... من بعد آخر مثله في المنزل

ولقد أصبت من المعيشة لينها ... وأصابني منه الزمان بكلكل

فإذا وذاك كأنه ما لم يكن ... إلا تذكرة لمن لم يجهل

ولقد أتت مائة عليَّ أعدها ... حولا فحولا إن بلاها مبتلى

فإذا الشباب كمبذل أنضيته ... والدهر يبلي كل جدة مبذل١

ويخوض بعد ذلك في فخر قبلي صرف بكرم قومه وقراهم الضيف، وتأدية المعروف في غير تنحل، وشجاعتهم وحلولهم الثغور المخوقة، وإعانتهم لذي الغرم، ومنعهم الجار، ورفعهم لذكرهم في كل محفل، ويبذلهم عن سعة، ويشيد بخطباء قومه الفصحاء، وسعة حماهم، وقيامهم بحمولة المقل.


١ الخزانة ٣/ ٥٦٦.

<<  <   >  >>