للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا تبدو واضحة جاهلية هذه القصيدة التي تذخر بالمدلولات الجاهلية، من الغزل الحسي، إلى وصف الفرس، والإشادة بجسارة الشاعر إلى سرد مغامراته الليلية في علب الليل، إلى الفخر القبلي الصرف بالكرم والشرف والسؤدد، بينما تبدو الأبيات التي أفردتها بعض الروايات بين هذه المدلولات الجاهلية -غريبة وقلقة في موطنها، مما يؤكد ما ذهبنا إليه، من أن هذه القصيدة قد صنعت هي الأخرى عن عهدين مختلفين، ومزجتهما الروايات بهذه الصورة، وخلافًا لهذه الأبيات التي تتحدث عن معركة الفيول، والتي نرجع أنها قيلت في القادسية١، لا نعرف لربيعة بن مقروم الضبي شعرًا في الفتوح.

ومن الشعراء القدامى الذين شهدوا الفتوح أبو محجن الثقفي، ذلك الفارس المعدود في أولي البأس والنجدة٢، وصاحب البلاء يوم أرماث بالقادسية. وتذكر الروايات خلافًا كبيرًا في خروجه إلى الغزو، فيذهب بعضها إلى أنه حد في الخمر مرارًا، ولم ينته فنفاه عمر بن الخطاب إلى جزيرة في البحر، وأرسل معه حرسًا تمكن من الخلاص منه، ثم التحق بسعد بن أبي وقاص في القادسية٣. بينما تذهب بعض الروايات إلى أنه خرج غازًا مع سعد لحرب الأعاجم، فكان يؤتى به شاربًا، فحبسه سعد في القادسية٤، كما تروي أخبار أخرى في سبب نفيه مختلفة عن هذه الأسباب، التي أوردنا من أنه هوي امرأة يقال لها: "شموس" واحتال في النظر إليها وتغزل فيها فاستعدى زوجها عليه الخليفة، فنفاه، وهرب من حارسه ليلحق بسعد٥.

ولكننا لا نقبل هذه الروايات جميعًا، في خروجه، وكيفية التحاقه بسعد، فمن المؤكد أنه شهد معارك قبل القادسية، وروي له فيها شعر، كالذي أوردناه في يوم الجسر، وكان قد شهد هذه الواقعة مع بني أبيه من ثقيف، في جند أبي عبيد الثقفي٦.


١ الحيوان ج١، ص٣٤٧.
٢ أخباره وشعره في الأغاني "ساسي" ٢١/ ١٣٦، ابن قتيبة ج١، ص٣٨٧، الخزانة ج٣، ص٥٥٠، والإصابة ج٧، ص١٧٠.
٣ الأغاني ج٢١، ص١٣٨.
٤ الأغاني ج٢١، ص١٤٠.
٥ الأغاني ج٢١، ص١٣٨.
٦ الأغاني ٢١/ ١٤١، والخزانة ج٣، ص٥٥٠، وابن قتيبة ج١، ص٣٨٧.

<<  <   >  >>