للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك يلاحظ الدارس أن جل هؤلاء الشعراء من النزاريين، وليس بينهم إلا فيما ندر عرب من أهل اليمن، وأنهم جند العراق وما وراء العراق في الغالب الأعم، وهذا أمر متوقع، فنحن نعرف للنزاريين طبعًا شعريًّا واستعدادًا متهيئًا للشعر، لا يتيسر لعرب الجنوب، مما جعل الشعر يتدفع على ألسنتهم كاستجابة تلقائية لما يحسون ويشعرون.

وهناك شيء يلفت الدارس لفتًا، فإن بعض هؤلاء الذين انطلق الشعر على ألسنتهم ولم يكن لهم به عهد أو كلف أمراء مشهورون، وقواد عظام، لم نكن نتوقع إطلاقًا أن يعبروا عن أنفسهم هذا التعبير الفني، من مثل: خالد بن الوليد، وعياض بن غنم، والمثنى بن حارثة، وجرير بن عبد الله، وطليحة بن خويلد، والربيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، والنعمان بن مقرن وأخيه نعيم، والأحنف بن قيس، وهاشم بن عتبة، وزهرة بن حوية، والحكم بن عمرو التغلبي، وسلمى بن القين، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عبد الله بن عتبان، وأبو ليلى بن فدكي، وغيرهم، وهم جميعًا قواد، أو أمراء للجند، أو أصحاب أمداد وألوية. فما إن يتوجه أحدهم على رأس لواء لفتح بلدة أو كورة حتى تجيش بنفسه مشاعر الفداء والتضحية، وما إن تسقط في يده حتى يستشعر مشاعر النصر والغبطة، فينطلق الشعر على لسانه في تعبير تلقائي بسيط، ولكنه يكشف عن ذاته وما يعتلج فيها من أحاسيس.

وهكذا يخيل للدارس أن الفاتحين جميعًا قد استحالوا شعراء، حتى لم يبقَ أحد منهم لم يسهم في تصوير الفتوح الإسلامية. وسوف نرى نموذجين لشاعرين من شعراء الفتح، أحدهما شاعر قديم والآخر شاعر مغمور، خلقت منه الفتوح شاعرًا ناضجًا، حتى ليستحق أن يلقب بشاعر الفتح الإسلامي.

<<  <   >  >>