للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الصباح أتتهم خثعم مغيرة، واشتد القتال بين القبيلتين، واستيقظ عمرو من نومه فنظر فرأى لواء أبيه مرفوعًا، فركن إلى النوم، وبعد فترة رفع رأسه ثانية فإذا بلواء أبيه قد نزل، فهَمَّ مندفعًا يريد المعركة. وفي الطريق لقي أباه منهزمًا، فقال له: انزل عن فرسك فاليوم ظلم، فقال له أبوه: إليك يا مائق، ولكن جمعًا من العشيرة نصحوا معديكرب بأن يخلي بينه وبين طلبته، فإن قتل كفى مؤنته، وإن ظهر كان شرفًا له، فألقى أبوه إليه سلاحه، فركب وظل يرمي خثعمًا بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ثم كر عليهم، وفعل ذلك مرارًا، فحملت زبيد، وهُزمت خثعم، واستحق عمرو يومئذ أن يلقب بفارس زبيد١.ويصبح عمرو وكأنما اشترى نفسه وكرامته بهذه التجربة التي غيرت وضعه في قومه، وجعلته فارسهم بلا منازع.

وأخذت أخباره تذيع، ووقائعه ومغامراته تترى بعد ذلك، حتى أصبح معلومًا أنه لا يخشى أحدًا من أبطال العرب وفرسانهم، وكان يقول في ذلك: "لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حراها أو عبداها، فأما الحران: فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان: فأسود بني عبس -يعني عنترة- والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت، فعامر سريع الطعن على الصوت، وعتيبة أول الخيل إذا غارت، وآخرها إذا آبت، وعنترة قليل الكبوة شديد الجلب، والسليك بعيد الغارة"٢.

وقد تحدث عنه فرسان العرب حديثًا شبيهًا بحديثه عنهم، فعندما سئل: ماذا نقول في العباس بن مرداس؟ قال: أقول فيه ما قال في:

إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئوا ... زبيدًا فقد أودى بنجديها عمرو٣

وقد هيأت له خلائقه الجسمانية إلى جانب ما يتمتع به من شجاعة وجرأة وحب للمغامرة أن يكون الفارس الذي لا يفضل عليه فارس من العرب٤، ذلك أنه كان ذا


١ الأغاني ج١٤، ص٢٤، ٢٥.
٢ الأغاني ج١٤، ص٢٧.
٣ المرجع السابق.
٤ الإصابة ج٥، ص٢.

<<  <   >  >>