للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوة خارقة وضعته بين الأبطال الأسطوريين، فرويت عنه في ذلك روايات طريفة، تدل على شدته وضخامته ونهمه، من مثل ما يروى من أن رجلًا جاءه وهو واقف على فرس له بالكناسة بعد أن جاوز المائة، فقال الرجل في نفسه: لأنظرن ما بقي من قوة أبي ثور، وأدخل يده بين ساقيه وبين السرج، وفطن عمرو فضمهما عليه وحرك فرسه، فجعل الرجل يعدو مع الفرس، وهو لا يقدر أن ينتزع يده، حتى إذا بلغ منه، قال عمرو: يابن أخي، ما لك؟ قال: يدي تحت ساقك، فخلى عنه وقال له: يابن أخي، إن في عمرك لبقية١.

وكان عمر بن الخطاب إذا رآه يقول: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرًا، تعجبًا من عظم خلقه٢. وتروى له حادثة مع عمر تدل على أن نهمه لم يفارقه في شيخوخته، إذا انطلق مرة إلى المدينة وجاء عمر في مسألة، فإذا به يغدي الناس، وقد جفن لعشرة عشرة، فأقعده عمر مع عشرة فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو، فأقعده مع تكملة عشرة، حتى تم له الأكل مع ثلاثين، ثم قام فقام: "يا أمير المؤمنين، إنه كانت لي مآكل في الجاهلية منعني منها الإسلام، وقد صررت في بطني صرتين وتركت بينهما هواء فسده"، قال عمر: "يا عمرو، عليك حجارة من حجارة الحرة فسده به"٣.

وكانت له أخلاق البدوي في شجاعته ونجدته، مع غير قليل من الإسراف في تصوير بطولته إلى درجة الكذب، وتروى في ذلك قصة طريفة وهي: أنه كان يذهب مع الأشراف إلى الكوفة يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أيام الناس كعادتهم، وقف مرة إلى جانب خالد بن الصقعب النهدي، وأقبل عليه يحدثه ويقول: أغرت على بني نهد، فخرجوا إلى مسترعفين بخالد بن الصقعب وهو يتقدمهم، فطعنته طعنة فوقع، وضربته بالصمصامة حتى فاضت روحه، فقال له الرجل: "يا أبا ثور، أنا مقتولك الذي تحدث"، فقال عمرو: "اللهم غفرا، إنما أنت بمحدث فاستمع إنما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لنرهب هذه المعدية! "٤.


١ الأغاني ج١٤، ص٢٠.
٢ الأغاني ج١٤، ص٢٧.
٣ الأغاني ج١٤، ص٣١.
٤ نفس المرجع.

<<  <   >  >>