للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن شعره المشهور عينيته التي مطلعها:

أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع

وهي من الشعر الذي غنى به وزيد فيه؛ لما فيها من عاطفة جياشة، وإن كانت حزينة تبلغ في حزنها حد اليأس، وتطبعك لأول وهلة بصدق الشاعر مع نفسه وعواطفه، وتصريحه بحرج موقفه، دون مغالطة أو تزييف أو تلفيق للأعذار، فهو يصور الأزمة في وجدانه على حقيقتها، ويدلي بأسفه الذي يهيب به ويؤرقه وقد هجع الناس، وأخته سبية استحلت، وهو لا يملك لها نجاة، فحولها فرسان أشداء، ويبلغ اليأس بنفسه مداه، فيلقى بخلاصة تجربته في حكمة بالغة، وكأنه قد أراح نفسه من أزمتها:

إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع١

وهذا الصدق الشعورى الذي يتجلى في هذه الأبيات يعيننا على تفهم شعره في مواطن أخرى، يكون فيها صادقًا مع نفسه، حتى ولو كان مفتخرًا معتزًّا بقوته، ونعجب من هذا الصدق الشعوري وقد عرفنا عمرًا يغالي في حديثه عن نفسه، ويكذب في ذلك متفاخرًا، ولكننا نجده في شعره صادقًا في وصف مشاعره.

قال في أبي المرادي -وكان ادعى مساندته في غزاة، وطالبه بنصيبه، وتهدده بالقتل:

أعاذل شكتي بدني ورمحي ... وكل مقلص سلس القياد

أعاذل إنما أفنى شبابي ... وأقرح عائقي ثقل الزناد

تمناني ليلقاني أبي ... وددت وأينما مني مرادي

ولو لاقيتني ومعي سلاحي ... تكشف شحم قلبك عن سواد

أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد

تمناني وسابغتي دلاص ... كأن قتيرها حلق الجراد


١ الأغاني ج١٤، ص٣١.

<<  <   >  >>